فصل : فإذا صح ما ذكرنا من وقوع طلاقه وظهاره فقد اختلف أصحابنا في على ثلاثة أوجه : العلة الموجبة لوقوع طلاقه وظهاره
أحدهما : أن العلة فيه عدم عذره بزوال عقله في سكره وهذا قول أبي العباس بن سريج ، فجرى عليه حكم الصاحي في جميع ما يضره كالطلاق والظهار والعتق وفي جميع ما ينفعه كالرجعة وطلب الشفعة وسائر العقود، ويكون مؤاخذا بذلك في ظاهر الحكم وفي الباطن فيما بينه وبين الله تعالى فلا يقع الفرق في وجود ذلك منه بين حال الإصحاء وحال السكر .
والوجه الثاني : أن العلة فيه التغليظ عليه لأجل المعصية لسكره فعلى هذا : تنقسم أفعاله ثلاثة أقسام
قسم هو عليه كالطلاق والظهار والعتق، يصح منه ويؤخذ به كالصاحي تغليظا . وقسم هو له كالرجعة وطلب المنفعة، فلا يصح منه لأن صحته منه تخفيف عليه كما أن [ ص: 421 ] إبطال طلاقه وظهاره تخفيف عليه، وإبطال ذلك تغليظ عليه كما أن إيقاع طلاقه وظهاره تغليظ عليه .
وقسم ثالث : يكون له وعليه وهو عقود بياعاته وإجاراته ومناكحه فإن كان مطلوبا بها كان تصحيحها منه تغليظا عليه فصحت منه وإن كان مطالبا بها كان تصحيحها منه تخفيفا عليه فأبطلت عليه . قال أبو حامد المروزي كنت أذهب إلى هذا حتى وجدت للشافعي في كتاب الرجعة أن رجعته صحيحة .
والوجه الثالث : أن العلة فيه وجود التهمة تكفيه فيما أظهر من سكره فعلى هذا يصح جميع ذلك منه في ظاهر الحكم فيما له وعليه ويكون في الباطن مذنبا فيما بينه وبين الله تعالى، فعلى هذا إن تيقن أنه لم يعلم بما تلفظ به من طلاقه وظهاره وعتقه جاز له فيما بينه وبين الله تعالى وطء زوجته إذا قدر عليها، وبيع عبده إذا أمكنه، ولو جاز أن يخبرنا الصادق بصحة سكره لما لزمه ذلك في الظاهر كما لا يلزمه في الباطن .