مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " كان هذا ظهارا لأن التلذذ بكل أمه محرم " . ولو قال كبدن أمي أو كرأس أمي أو كيدها
قال الماوردي : وأما معهود الظهار عرفا وشرعا فهو أن يقول : أنت علي كظهر أمي فيشبهها بظهر أمه ، فإذا شبهها بعضو من أعضاء أمه فقال : أنت علي كرأس أو كبطن أمي أو كيد أمي أو كرجل أمي أو كفرج أمي فالذي نص عليه الشافعي أنه يكون بكل ذلك مظاهرا تعليلا بأن التلذذ بكل أمه محرم كالظهر وهكذا لو شبه عضوا من زوجته [ ص: 429 ] بعضو من أمه فقال : رأسك علي كرأس أمي ، أو رجلك علي كرجل أمي أو يديك علي كيد أمي كان مظاهرا هذا هو ظاهر المنصوص ومقتضى التعليل .
وقال الشافعي : فيمن فقال : أنت علي كظهر أختي أو بنتي قولين : شبه زوجته بغير أمه من النساء المحرمات عليه
أحدهما : قاله في الجديد يكون مظاهرا لأنها محرمة عليه كأمه وقال في القديم :
لا يكون مظاهرا لأنه عدل عن الأم المنصوص عليها إلى غيرها ، فعلى تعليل هذا القول اختلف قول أصحابنا إذا عدل عن الظهر المنصوص عليه إلى غيره فهل يجيء فيه تخريج هذا القول أنه لا يكون مظاهرا أم لا على وجهين :
أحدهما : يجيء فيه تخريجه ويكون في قولان : تشبيه زوجته بغير الظهر من أعضاء أمه
أحدهما : وهو قوله في الجديد ، يكون مظاهرا لأن التلذذ بجميعها محرم .
والقول الثاني : وهو القديم لا يكون مظاهرا لأنه عدل عن الظهر المنصوص عليه إلى غيره .
والوجه الثاني : أنه لا يحتمل تخريج هذا القول فيه ويكون مظاهرا قولا واحدا ، والفرق بين عدوله عن أمه إلى غيرها وبين عدوله عن ظهر أمه إلى غيره من أعضائها أن حرمة أمه أغلظ في التحريم من غيرها من المحرمات فجاز أن لا يكون مظاهرا في التشبيه بغيرها ، وأعضاء أمه في الحرمة سواء فكان مظاهرا في التشبيه بغير ظهرها .
وذكر أبو إسحاق المروزي وجها ثالثا فرق فيه بين أعضاء أمه فقال : ما كان من أعضاء أمه مخصوصا بالكرامة والتعظيم وهو كالرأس والثدي لم يكن مظاهرا في التشبيه به فيجعله بقوله : أنت علي كرأس أمي أو كثدي أمي غير مظاهر، وما كان بخلاف هذا من أعضائها التي لا تقصد بالكرامة وتعظيم الحرمة كان بها مظاهرا ، فإن صح هذا التخريج بأنه لا يكون مظاهرا فهل يكون كناية في الظهار يصير به مع النية مظاهرا أم لا على وجهين :
أحدهما : وهو ظاهر قول أبي إسحاق المروزي يكون كناية يصير به مظاهرا إذا نواه لأن النية كالعرف .
والوجه الثاني : وهو ظاهر قول أبي علي بن أبي هريرة لا يكون كناية ولا يصير به مظاهرا وإن نواه كما لا يكون التشبيه بغير أمه كناية، ولا يصير به مظاهرا وإن نواه تعليلا بالعرف والله أعلم .
[ ص: 430 ] فصل : وأما إذا كان مظاهرا منها لا يختلف لأن البدن يشتمل على الظهر وغيره فصار التشبيه به أعم . ولو قال : أنت علي كنفس أمي ففيه وجهان : قال : أنت علي كبدن أمي
أحدهما : يكون صريحا في الظهار يصير به مظاهرا لأن النفس يعبر بها عن الذات فجرى مجرى قوله كبدن أمي .
والوجه الثاني : يكون كناية إن نوى الظهار به كان مظاهرا وإن لم ينوه لم يكن مظاهرا لأنه يحتمل أن يريد به الذات في التحريم ويحتمل أن يريد به الكرامة في التعظيم . ولو ففيه ثلاثة أوجه : قال : أنت علي كروح أمي
أحدها : يكون صريحا في الظهار كالبدن .
والثاني : يكون كناية فيه لما في ذلك من الاحتمال .
والوجه الثالث : لا يكون صريحا ولا كناية لأن الروح ليست من الأعيان المرئية التي يتعلق بها حظرا أو إباحة وهذا قول ابن أبي هريرة .
وأما أبو حنيفة فإنه يقول : إذا شبه زوجته بعضو من أمه لا تحيا بفقده كان مظاهرا من زوجته وإن شبهها بعضو من أمه تحيا بفقده لم يكن مظاهرا من زوجته بناء على ما قدمناه من تشبيه عضو من زوجته بأمه، والخلاف فيها بناء على الخلاف في الطلاق، وقد مضى والله أعلم .