فصل : ولو صار عائدا ؛ لأن الجنون لا يحرم بخلاف الردة ، والقصد في العود غير معتبر فلم يؤثر فيه الجنون . [ ص: 451 ] مسألة : قال تعقب الظهار جنون أو إغماء لم يقدر الزوج فيه على الطلاق الشافعي رضي الله عنه : " من قبل أن يتماسا وقت لأن يؤدي ما وجب عليه قبل المماسة حتى يكفر، وكان هذا والله أعلم عقوبة مكفرة لقول الزور " . ومعنى قول الله تبارك وتعالى
قال الماوردي : وأما فمأخوذ من النص قال الله تعالى تحريم وطئها قبل التكفير فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فجعل الوطء غاية لوقت التكفير ولم يجعله موجبا للكفارة .
وقال الشافعي : فكان هذا عقوبة مكفرة لقول الزور ؛ لأنه قد أثم به فكفر عن مأثمه ، فلو أنه كان عاصيا بوطئه كمعصيته بالوطء في إحرام أو حيض ولا تسقط الكفارة عنه ولا تتضاعف عليه . قال وطئ قبل الكفارة عمرو بن العاص ومنتصر بن دوست ومجاهد تتضاعف عليه فتلزمه كفارات . وقال سعيد بن جبير والزهري تسقط الكفارة وكلا القولين مخالف للنص والقياس لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلمة بن صخر البياضي وقد وطئ في ظهاره قبل التكفير أن يكفر كفارة واحدة، فلم يسقطها ولم يضعفها فكان نصا يبطل به القولين . ولأن الكفارة عبارة مؤقتة كالصلاة والصيام فلم يكن فوات وقتها مبطلا لها ولا موجبا لمضاعفتها كالصلاة والصيام والله أعلم . أمر
فصل : فأما فإن كان مكفرا بالصوم لم يجز لأن عبادات الأبدان لا يجوز تقديمها قبل الوجوب ، وإن كفر بالعتق أو الإطعام فإن كان قبل الظهار والعود لم يجز ؛ لأن حقوق الأموال إذا تعلق وجوبها بشرطين لم يجز تقديمها قبل وجود أحدهما، وإن كان بعد الظهار وقبل العود وذلك بأن يطلقها عقيب ظهاره ثم يكفر قبل مراجعتها ففيه وجهان : تعجيل كفارة الظهار قبل وجوبها ،
أحدهما : يجوز تعجيلها لوجود أحد شروطها كتعجيل الزكاة بعد النصاب وقبل الحول وكتعجيل الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث .
والوجه الثاني : لا يجوز تعجيلها مع وجود أحد الشرطين ، لأن الثاني منهما محظور فصار بالتعجيل متهيأ لارتكاب المحظور، وهكذا القول في تعجيل الكفارة باليمين قبل الحنث إذا كان الحنث معصية .
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا منع الجماع أحببت أن يمنع القبل والتلذذ احتياطا، حتى يكفر، فإن مس لم تبطل الكفارة، كما يقال له أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت فيؤديها بعد الوقت لأنها فرضه " .
قال الماوردي : أما فقد ذكرنا تحريمه بالنص [ ص: 452 ] والإجماع ، وأما ما سواه من الاستمتاع كالقبلة والملامسة والتلذذ بما دون الفرج ففي تحريمه قولان : وطء المظاهر قبل التكفير
أحدهما : وهو ظاهر كلامه ها هنا وفي كتاب الأم أن اجتنابه احتياط وفعله غير محرم ؛ لأنه قال أحببت أن يمنع القبلة والتلذذ احتياطا ووجهه قول الله تعالى من قبل أن يتماسا عبارة عن الوطء كما قال تعالى : والمس في عرف الشرع وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن [ البقرة : 237 ] ولأن كذلك في الظهار لبقاء النفعية واستباحة الدواعي من الطيب وغيره وهذا قول تحريم الوطء في الحيض والصوم لا يوجب تحريم التلذذ بما سواه أبي حنيفة :
والقول الثاني : وهو ظاهر كلامه في القديم أنه يحرم عليه التلذذ بما دون الفرج كما يحرم عليه الوطء في الفرج ، لأنه قال في القديم رأيت أن يمنع القبل والتلذذ، وكان ظاهر هذا الكلام يوجب التحريم، ووجهه قول الله تعالى من قبل أن يتماسا وحقيقة المس التقاء البشرتين ولأنه بالظهار قد جعل تحريمها عليه كتحريم أمه، وكل الاستمتاع بأمه حرام وكذلك في الظهار ، ولأنها مباشرة، فوجب أن تحرم على المظاهر كالوطء ، ولأنه لفظ يوقع تحريمها في الزوجة فوجب أن يمنع من الوطء وتوابعه كالإحرام والطلاق الرجعي . والله أعلم .