مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا عبدا ولا مكاتبا " .
قال الماوردي : لمعنيين : لا يجوز دفع الكفارة ولا الزكاة إلى عبد غيره ولا إلى عبد نفسه
أحدهما : أن العبد لا يملك فصار ذلك دفعا إلى سيده .
والثاني : أنه غني عنها بوجوب نفقته على سيده ، وأما لأنه إن كان ذا مال فهو غني بماله وإن كان غير ذي مال فيقدر على تعجيز نفسه فيصير غنيا بسيده ويجوز أن يدفع إليه من الزكاة ، والفرق بينهما أنه يجوز أن يدفع من الزكاة إلى الأغنياء وهم المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها ، وأحد صنفي الغارمين وفي سبيل الله فجاز أن يدفع منها إلى المكاتب ، المكاتب فلا يجوز دفع الكفارة إليه ، فلم يجز أن يدفع منها إلى المكاتب ، وحكم المدبر وأم الولد كحكم العبد والأمة في أن لا يجوز دفع الزكاة والكفارة إليهما . والله أعلم . ولا يجوز أن يدفع من الكفارة إلى غني
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا أحدا على غير دين الإسلام " .
قال الماوردي : وهذا صحيح . في أنه لا يجوز دفعها إلى كافر سواء كان حربيا أو ذميا، واختار الكفارات والزكوات أبو حنيفة دفع الكفارة وزكاة الفطر إلى الذمي دون الحربي، ومنع من دفع زكاة الأموال إلا لمسلم ، وقد مضت هذه المسألة في قسم الصدقات .
[ ص: 520 ] ومن الدليل عليه : أنه حق مخرج باسم التكفير فلم يجز وضعه في الكفار كالعتق في كفارة الظهار والقتل ، ولأن كل من لم يجز دفع زكاة المال إليه لم يجز دفع الكفارة إليه كالحربي .
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ( وقال ) في القديم لو علم بعد إعطائه أنه غني أجزأه ثم رجع إلى أنه لا يجزئه ( قال المزني ) رحمه الله وهذا أقيس لأنه أعطى من لم يفرضه الله تعالى له بل حرمه عليه، والخطأ عنده في الأموال في حكم العمد إلا في المأثم " .
قال الماوردي : وهذه المسألة قد مضت في قسم الصدقات ، وذكرنا أنه إذا فإن خرج من أهل الاستحقاق بكونه عبدا أو كافرا لم يجزه لأن الرق والكفر أمارة ظاهرة قل ما يخفيان معها، فإن الخطأ فيها لتقصير منه في الاستدلال عليها ، وإن خرج من أهل الاستحقاق لكونه غنيا ، فإن لم يجتهد فيه عند الدفع إليه لم يجزه لتقصيره ، وإن اجتهد ففي إجزائه قولان : أعطى من الزكوات أو الكفارة من ظن أنه مستحق فبان غير مستحق ،
أحدهما : قاله في القديم وبه قال مالك وأبو حنيفة يجزئه : لأنه يجوز أن يعمل على اجتهاده فلم يلزمه الإعادة مع وجود الاجتهاد ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أعطاهما رجوعا إلى قولهما وعملا على الظاهر من أحوالهما . قال للرجلين اللذين وقفا عليه وسألاه من مال الصدقة : إن شئتما فلا حظ فيها لغني ولا لذي مرة سوي
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد أنه لا يجزئه : لأن الخطأ في المستحق يمنع من الإجزاء كما لو بان عبدا أو كافرا ، ولأن الخطأ في دفع الحقوق إلى غير مستحقها لا يقتضي البراءة منها كالودائع إذا دفعت إلى غير أربابها والديون إذا أديت إلى غير أصحابها ، ومثل هذين القولين في هذه المسألة المجتهد في القبلة إذا تيقن الخطأ ، والمتيمم إذا وجد الماء في رحله ، والمصلى إذا علم أنه كان في ثوبه نجاسة أو نسي قراءة الفاتحة ومن اشتبهت عليه الشهور في رمضان فبان أنه صام شعبان ففي هذه المسائل كلها قولان كدفع الكفارة إلى من بان أنه غني .
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ويكفر بالطعام قبل المسيس لأنها في معنى الكفارة قبلها ، ولو " . [ ص: 521 ] قال أعطى مسكينا مدين مدا عن ظهاره ومدا عن اليمين أجزأه لأنهما كفارتان مختلفتان الماوردي : أما فمما أجابه النص وأجمع عليه الفقهاء قال الله تعالى تحريم المسيس قبل التكفير بالعتق والصيام فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين [ المجادلة : 3 ، 4 ] وأما فقد جوزه تحريم المسيس قبل الإطعام مالك وسفيان الثوري لأن الله تعالى قيد العتق والصيام بتحريم المسيس قبلهما فبقيا على تقييدهما وأطلق الإطعام ولم يقيده بتحريم المسيس قبله فحمل على إطلاقه . وذهب الشافعي إلى أن المسيس قبل الإطعام يحرم كتحريمه قبل العتق والصيام ؛ لأن ذلك كله تكفير عن ظهاره ؛ لأن من جنسه كالشهادة ، ولأنه لما وجب حمل المطلق على مقيد واحد كان حمله على مقيدين أولى لأنهما أوكد ، ولأنه لما لزم لتغليظ حال الظهار أن يكفر قبل وجود المسيس في التكفير بالصيام وهو أطول وزمانه أضر كان تأخيره عن التكفير بالإطعام مع قربه أحق . المطلق محمول على المقيد