الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو سبيت صبية مع أبويها كافرين فعقلت [ ص: 468 ] ووصفت الإسلام وصلت، إلا أنها لم تبلغ ، لم تجزئه حتى تصف الإسلام بعد البلوغ " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأما إذا سبيت الصبية أو الصبي مع أبويهما أو مع أحدهما فلا اعتبار لحكم السابي وهي معتبرة الدين بمن سبي معها من أبويها ، وإن أسلم أحد أبويها المسبي معها كان إسلاما لها وأجزأ عتقها في الكفارة . وإن لم يسلم واحد منهما فهي على حكم الكفر، سواء كان السابي لها مسلما أو كافرا ، فإن وصفت الإسلام بعد بلوغها حكم بإسلامها وجاز عتقها ، وإن وصفت الإسلام قبل بلوغها وصلت، نظر ؛ فإن كان ذلك قبل تمييزها وعقلها ما تقول وتفعل لم يكن ذلك إسلاما منها إجماعا ، وإن كان بعد التمييز والعقل فيما تقول وتفعل كالمراهقة فمذهب الشافعي رضي الله عنه أنه لا يصح من غير البالغ إسلام كما لا يصح منه ارتداد لارتفاع القلم .

                                                                                                                                            وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا : يصح إسلامه قبل البلوغ إذا عقل ما يقول وميز ما يفعل، وبه قال أبو حنيفة ولا تصح منه الردة، وفرقا بينهما لأن إسلام غير البالغ يصح تبعا لأبويه، وردة غير البالغ لا تصح تبعا لأبويه فلا يصح تبعه . وقال بعض أصحابنا واختاره الداركي أنه يكون مسلما في الظاهر، ويكون إسلامه في الباطن موقوفا على بلوغه، فإن أقام على إسلامه بعد البلوغ ثبت إسلامه ظاهرا وباطنا، وإن أظهر الشرك لم يقبل في الظاهر وكان مقبولا في الباطن . والكلام مع أبي حنيفة في هذه المسألة يأتي من بعد ، فعلى هذا لو أعتقه قبل بلوغه وبعد وصفه الإسلام لم يجزه على مذهب الشافعي وأجزأه على مذهب الإصطخري وأبي حنيفة ، وكان موقوفا على الوجه الثالث فإن أقام على إسلامه بعد بلوغه أجزأه عتقه ؛ لأنه قد صح إسلامه ، ظاهره وباطنه وإن أظهر الشرك لم يجزه لأنه قد زال إسلامه ظاهره وباطنه، وإن مات قبل أن يصف أحد الأمرين أجزأه في الظاهر ولم يجزه في الباطن .

                                                                                                                                            فصل : فأما إذا سبي الطفل دون أبويه فالظاهر من مذهب الشافعي أنه معتبر بحكم سابيه، ويصير مسلما بإسلامه لأن الطفل تبع لغيره، فإذا لم يتبع أبويه لانفراده عنهما صار تبعا لسابيه لاختصاصه بملكه فعلى هذا يجزئ عتقه في الكفارة .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابنا : لا يكون تبعا للسابي ؛ لأن عدم البعضية لا ينقل حكمه إلى مالك الرق كالمشتري، فعلى هذا لا يجزئ عتقه في الكفارة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية