الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " والقول فيما يمكن فيه انقضاء العدة قولها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإنما كان كذلك لأن الله تعالى جعلهن في ذلك أمناء وحظر عليهن كتمه ، وقرنه بوعيده قال تعالى : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [ البقرة : 228 ] . قيل : من الحيض والحمل ، فدل على قبول قولهن فيه كما قال في الشهادة : ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [ البقرة : 283 ] . فدل على أن قول الشهود مقبول ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المفتي : من كتم علما يحسنه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا فلا يخلو حال المعتدة من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن تعتد بالأقراء .

                                                                                                                                            [ ص: 306 ] والثاني : بوضع الحمل .

                                                                                                                                            والثالث : بالشهود .

                                                                                                                                            فإن اعتدت بالأقراء فأقل ما يمكن فيه انقضاء عدتها بثلاثة أقراء ، اثنان وثلاثون يوما ولحظتان ، وذلك بأن تطلق في آخر طهرها وقد بقي منه لحظة ، فتكون تلك اللحظة قرءا معتبرا به . ثم تحيض أقل الحيض يوما وليلة ثم تطهر أقل الطهر خمسة عشر يوما وقد حصل لها به قرء ثالث ، فإذا طعنت في أول الحيضة الثالثة بدخول لحظة منها ، فقد انقضت عدتها ، فإذا جمع بين الطهرين وهما ثلاثون يوما وبين الحيضتين وهما يومان وثلثان وبين اللحظتين الأولى والثانية ، صار جميع ذلك اثنين وثلاثين يوما ولحظتين غير أن اللحظة الأولى من جملة العدة واللحظة الأخيرة ليست من جملة العدة وإنما يعلم بها انقضاء العدة فصارت واجبة في العدة وإن لم تكن منها ، فهذا أقل زمان يمكن أن تنقضي فيه ثلاثة أقراء .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يقبل منها أقل من ستين يوما اعتبارا بأكمل الحيض ، وهو عنده عشرة وأقل الطهر وهو خمسة عشر يوما ، وأن الأقراء عنده الحيض فتمضي عشرة أيام حيضا ثم خمسون يوما حيضتان وطهران .

                                                                                                                                            وقال زفر بن الهذيل : أقله أربعة وسبعون يوما ، لأنه اعتبر في أوله طهرا كاملا .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف ومحمد : يقبل قولها في سبعة وثلاثين يوما اعتبارا بأقل الحيض ، وهو عندهم ثلاثة أيام وبأقل الطهر ، وهو خمسة عشر يوما : وهذا الخلاف مبني على أصلين مضى الكلام في أحدهما ويأتي الكلام في الآخر .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك لم يخلو حالها إذا ادعت انقضاء عدتها بالأقراء من أن تذكر عادتها في الحيض والطهر أو لا تذكر فإن ذكرت عادتها فيهما ، وأن حيضها عشرة أيام ، وطهرها عشرون يوما سئلت عن طلاقها هل هو صادف حيضها أو طهرها فإن ذكرت مصادفته لأحدهما ، سئلت عنه هل كان في أوله أو آخره ، فإذا ذكرت أحدهما عمل عليه ، وتظهر ما يوجبه حساب العادتين في ثلاثة أقراء ما ذكرت له من حيض في أوله وآخره أو طهر في أوله أو آخره ، فإن وافق ما ذكرته من انقضاء العدة بما أوجبه الحساب من عادتي الحيض والطهر كان ما ذكرته مقبولا بغير يمين إلا أن يكذبها الزوج في قدر عادتها في الحيض والطهر فتدعي أكثر مما ذكرته فيهما أو في أحدهما فيكون له إحلافها ، لأن قولها وإن كان مقبولا فيهما فلسنا على قطع بصحته ، وما قاله الزوج من الزيادة فيهما ممكنة ، فلذلك كان له إحلافها ، وإن لم يوافق ما ذكرته من انقضاء العدة ما أوجبه حساب العادتين ، لم يقبل قولها في انقضاء العدة ، لأن إقرارها بالعادة قد أكذب دعواها في انقضاء العدة ، وإن لم تذكر عادتها في الحيض والطهر سئلت عن طلاقها [ ص: 307 ] هل كان في الحيض أو الطهر ، فإن قالت : كان في الطهر انقضت عدتها من اثنين وثلاثين يوما ولحظتين ، إن كانت حرة على ما بيناه ، وإن كانت أمة انقضت عدتها بستة عشر يوما ولحظتين . لأن عدتها قرءان ، فكأنها طلقت في آخر طهرها وقد بقي منه لحظة فتكون باقية قرءا ثالثا فإذا دخلت في أول جزء من حيضها انقضت عدتها إلا أن هذه اللحظة الأخيرة ليست من العدة ، وإنما يعلم بها انقضاء العدة ، وإن قالت وهي حرة : كان طلاقي في الحيض فأقل ما ينقضي به عدتها وهي حرة سبعة وأربعون يوما ولحظتان كأنها طلقت في آخر حيضتها ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم حاضت يوما وليلة ثم طهرت خمسة عشر يوما ثم دخلت في أول جزء من حيضها فيكون يومان بحيضتين وخمسة وأربعون يوما لثلاثة أطهار ولحظتان أوله هي من العدة وآخره ليست من العدة وإن كانت أمة فاثنان وثلاثون يوما ولحظتان وذلك حيضتان وطهران وإن لم تذكر الحرة طلاقها هل كان في الحيض أو في الطهر جعل أمرها على أقل الحالين ، وهو أن يكون في الطهر فتنقضي باثنين وثلاثين يوما ولحظتين وللزوج إحلافها إن أكذبها ولا رجعة له إن حلفت فإن تكلمت ردت اليمين عليه وراجعها ، وهذا القول مقبول منها إذا كانت ممن يجوز أن تحيض وتطهر بكونها فوق التسع سنين ودون حد الإياس .

                                                                                                                                            فإن كانت صغيرة أو ميئوسة لم يقبل قولها في ذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية