الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        السلطة والحالة المعاشية للعامة

        يروي عن الناصر لدين الله أنه كان كثير الاقتصاد حتى رماه البعض بالبخل وكان قد جمع ما يتحصل من الذهب في بركة في دار الخلافة فكان يقف على حافتها ويقول : أترى أعيش حتى أملأها؟ [1] .

        ولكن ذلك لم يمنعه من المساهمة بجزء وافر من معايش العامة وخاصة في شهر رمضان ففي سنة 604 هـ أمر ببناء دور الضيافة في محلات بغداد ليفطر فيها الفقراء ويتولاها رجل أمين فكان يطبخ فيها اللحم والضأن والخبز الجيد ويعطي كل إنسان قدحا مملوءا من الطبيخ واللحم ومنا من الخبز الجيد ويعطي كل إنسان قدحا مملوءا من الطبيخ واللحم ومنا الخبز فكان يفطر كل ليلة على طعامه خلق لا يحصون كثرة [2] ومنذ شهر شعبان كانت الوظيفة الرمضانية تفرق على المدارس والأربطة والمشاهد وزوايا الفقراء من الدقيق والغنم والذهب لأجل الفطور وتفتح أبواب الضيافة في جانبي مدينة السلام [3] . [ ص: 102 ] وقد زادت مشاركة الحكومة في معايش الناس زمن المستنصر بسبب الكرم الذي طبع عليه هـذه الخليفة فقد كان يقف على حافة بركة الذهب الذي جمعه الناصر ويقول : أترى أعيش حتى أنفقها؟ [4] . وفي زمنه أصبح بكل محلة من محال بغداد دار الضيافة للفقراء ولا سيما في شهر رمضان وكان في كل وقت يبرز لصلاته ألوفا متعددة من الذهب تفرق في المحال ببغداد على ذوي الحاجات والأرامل والأيتام وغيرهم [5] . وكان المستنصر يطوف في أزقة بغداد ويلاحظ عامة الناس بعين الرعاية والعطف [6] . وكذلك كان حال الناصر من قبله إذ كان يحب الظهور للعامة والتحبب إليهم [7] .

        وكان العامة يحترمون الخلفاء ويكنون لهم محبة فائقة فللعوام حساسية شديدة في تقدير من يحسن إليهم وعندما توفي أبو الحسن على ابن الخليفة الناصر لدين الله وكان أحب ولديه إليه والمرشح للخلافة بعده شاركت العامة في أقطار بغداد ليلا ونهارا ولم يبق ببغداد محلة إلا فيها النوح ولم تبق امرأة إلا وأظهرت الحزن [8] .

        وقد استمرت ذكرى الخلافة ومحبتها في قلوب العامة خلال العهد الأليخاني فعندما ماتت الست خديجة ابنة المستعصم ببغداد سنة 676 هـ تذكر الناس أيام والدها وبكوا وكثرت النوايح والنوادب ورفعت الطراحات [9] . [ ص: 103 ] وقد أحست العامة أنها فقدت الكثير عندما أصبح الحكم للأجانب وساعدت إجراءات الإليخانيين على ذلك فبعد سقوط بغداد بسنة واحدة أحصى سكان بغداد وكتبت أسماؤهم وقسموا إلى مجاميع عليها أمراء وقرر على كل منهم ما يؤديه في كل سنة ولم يعف من ذلك إلا الصبيان والشيوخ واستمر الأمر حتى ولاية علاء الدين عطا ملك الجويني حيث أسقط ذلك عنهم [10] . ولم يتنفس الناس الصعداء بعد حتى أمر الأليخانيون علاء الدين باستيفاء خمسين ألف دينار من بغداد وأعمالها على وجه المساعدة فشرع باستيفاء ذلك بالعسف والقهر حتى أخذ إيجار الدور عن شهرين سلفا ولما طلبه الديوان وانفرد مجد الدين ابن الأثير باستيفاء المبلغ أغلقت الأسواق وهرب الناس فطولبت النساء بما قرر على رجالهن [11] . وهكذا لاقى الناس الأمرين من الحكم الأجنبي وعندما قدم أرغون إلى بغداد سنة 681 هـ طولب أهل بغداد بأجرة أملاكهم عن ثلاثة أشهر فاستوفى من أكثرهم ثم أعفى الناس كافة [12] . ومع ذلك كله فلا يخلو العهد الأليخاني من بعض السلاطين والحكام الذين أحسنوا حتى أنهم عندما سمعوا بإعادته إلى بغداد أيام السلطان أحمد – وكان قد أقيل من ولايته – سمع لهم دوي فرح وسرور بل عيد وابتهاج [13] . [ ص: 104 ] وحاول بعض السلاطين الأليخانيين أن يخفف العبء عن العامة كما فعل أبقاخان عندما زار بغداد سنة 672 هـ إذ أمر بالإحسان إلى الرعايا وتخفيف التمغات وحذف الأثقال عنهم وكتب ذلك على باب جامع ( المستنصرية ) [14] وكذلك فعل السلطان كيخاتوخان إذ أمر السكورجي والي العراق بإزالة ما جدد على الرعية من الأثقال [15] وعندما سمع كيخاتو بما فعله بايدو بأهل عين التمر والكبيسات من نهبهم وأسر ثلاثين ألف منهم غضب عليه وحبسه [16] .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية