الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        زيارة الأضرحة

        كان الناس يزورون الأضرحة فكانوا يقصدون المشهد الكاظمي ويزدحمون فيه حتى مات من شدة الزحام سنة 601 هـ سبعة عشر رجلا وامرأتان وقيل أكثر من ذلك وطارت عمائم الناس وذهبت مداساتهم [1] وقد أمر الخليفة المستنصر بعمل مزملة [2] بالقرب من قبر أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - لأجل الزوار الواردين. [3]

        وقد ذكر ابن بطوطة في زيارته بغداد سنة 727 هـ زمن السلطان أبي سعيد [ ص: 85 ] بهادر خان أن أهل بغداد كانوا يزورون قبور الأئمة أبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة وسري السقطي وبشر الحافي وداود الطائي وأبي القاسم الجنيد فكان لأهل بغداد يوم في كل جمعة لزيارة شيخ من هـؤلاء المشايخ ويوم لشيخ آخر يليه وهكذا إلى آخر الأسبوع

        وكان من عادة أهل الموصل الخروج في كل ليلة جمعة إلى رباط النبي يونس عليه السلام في تل التوبة على نحو يميل من دجلة وفي هـذا التل لناء عظيم هـو رباط يشتمل على بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقايات يضم الجميع باب واحد وفي وسط ذلك البناء بيت ينسدل عليه ستر ينغلق دونه باب كريم مرصع كله يقال إنه كان بيته الذي كان يتعبد فيه ويطيف بهذا البيت شمع كأنه جذوع النخل عظما. [4]

        وكذلك كان الناس يقصدون دير الجب بين الموصل وأربيل لدفع الصرع عنهم حسب ما يعتقدون [5]

        وفي كربلاء حيث الروضة المقدسة وعليها الحجاب والقومة كان لا يدخل أحد إلا عن إذنهم فيقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة وعلى الأبواب أستار الحرير [6]

        لأهل الذمة في العراق أماكن يقدسونها ويزورونها إذ ذكر القزويني إن [ ص: 86 ] ببابل جب دانيال عليه السلام يقصده اليهود والنصارى أيام أعيادهم [7]

        بالإضافة إلى زيارة الأضرحة فإن أهواء العوام قد تجعلهم يقدسون قبرا لمجرد أن أحدهم زعم أنه رأى بالمنام أحد أولاد الحسن فيه كما حدث ذلك سنة 676 هـ حيث انهال الناس لزيارة قبر بمحلة الهروية حيث زعم رجل انه قبر أحد أولاد الحسن. ثم شرعوا في عمارته وتواترت بعد ذلك أخبار العوام يرون المنامات وكثرت الظواهر وتحدثوا بقيام الزمنى والمرضى وفتح أعين الإضراء. وترك الناس أعمالهم وانشغلوا بذلك فما كان من صاحب الديوان إلا أن أمر بنقل من يوجد له قبر إلى مشهد موسى بن جعفر عليهما السلام فسكن العوام [8] وقد سبق أن رأى رجل ببغداد في المنام سنة 671 هـ أن بعض أولاد الحسن في موضع بقراح أبي الشحم فأقاموا فيه قبرا وحضر خلق كثير للزيارة وكذلك زعم الناس أن قبر عبد الله الباهر في تل الزبيبة وبنوا عليه الأبنية الجليلة ووضعوا عليه ضريحا وليس صحيحا ما زعموه فإن عبد الله الباهر مات بالمدينة ودفن فيها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية