الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        مواقف مشرفة للعامة

        لقد استعرضنا فيما سبق صورا تمثل بعض النماذج الساقطة أدبيا من غوغاء الناس وأوباشها وهم الذين كانوا يقومون بالأعمال الشنيعة المنافية للمثل الأخلاقية والقيم الإنسانية وهذه النماذج الإنسانية الكريمة وقد سبق في الكلام عن الناحية الأخلاقية أن أوضحت وجود تيارين في العامة خلال هـذه الفترة تيار يمثل الخير والصلاح وآخر يمثل الشر والفساد.

        وهنا أريد أن أوضح بعض المواقف المشرفة التي وقفتها العامة إلى جانب السلطة دفاعا عن بلادها من الغزاة المعتدين أو حماية لها من أخطار الفيضان الذين كان يجتاحها بين آونة وأخرى. حدث ذلك سنة 614 هـ عندما زادت دجلة زيادة عظيمة وأشرفت بغداد على الغرق فلم يقف الناس مكتوفي الأيدي بل اجتمع جمع عظيم من العامة وغيرهم لعمل القورج وأعدوا السفن لينجو فيها [1] وقد حدثت مشاركة من العامة والخاصة في دفع هـذا الخطر الداهم عن بلدهم فكانت مشاركة رائعة ظهر فيها الخليفة وهو يحث الناس على العمل. ومرة أخرى تعرضت بغداد للغرق وذلك سنة 676 هـ في العهد الأيلخاني في ولاية الصاحب علاء الدين وهنا أيضا يلعب العوام دورا مشرفا في حماية مدينتهم ويشاركهم صاحب الديوان في هـذا العمل فيحمل باقة الشوك على فرسه [2] [ ص: 109 ]

        وعندما شبت النار في دار الخليفة الناصر سنة 601 هـ حتى انتهت خزانة السلاح اجتمع جميع من ببغداد من السائقين والفراشين بالقرب والزوايا والصناع والفعلة واستمروا يوما وليلة وهم يكافحون النيران فكانت محكا لإخلاص العامة للخليفة آنذاك [3]

        وفي عهد الأليخانيين كان الرأي العام في الموصل ضدهم فعندما قدم إيلكا نوين إلى الموصل سنة 659 هـ خرج الملك الصالح منهاه إلى دمشق فأمده الملك الظاهر بيبرس بجيش سار به إلى الموصل وجعل سنجر على مقدمته فلما وصل سنجر إلى الموصل منعه المغول من دخولها فوثب العوام وفتحوا له باب الجسر فدخل منه ولكن المغول أرسلوا العساكر إليه فالتقوا عند نصبيين وتغلبوا عليه فقتلوه وقدم الأمير سنداغو إلى الموصل فلم يستطع دخولها إلا بعد حصار دام سنة [4] وفي روياة أخرى ستة أشهر فقط وقد قام المغول بمجزرة استهدفت إفناء سكان المدينة [5] وليس صحيحا ما ذكره رشيد الدين عن كره العوام لبني العباس ومللهم من حكمهم [6] ففي سنة 635 هـ وصل الخبر أن عساكر المغول قد سارت إلى بغداد فخرج الجيش لملاقاتهم فهزموه عند القنيطرة فلما بلغ خبر الهزيمة بغداد خرج كافة الأمراء والقواد والجند وخرج معظم العوام متسلحين للدفاع عن مدينتهم ضد المغول الغازين [7] [ ص: 110 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية