الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          معلومات الكتاب

                          علاقة المغاربة بفلسطين (الرحلة والوقف)

                          الدكتور / حسن يشو

                          المطلب الثاني: قرية عين كارم قبل الاحتلال [1] :

                          كانت القرية تنقسم إلى منطقتين: عليا قوامها مصاطب زراعية، وإلى منطقة سفلى تقع في واد غربي المنطقة العليا ودونها. وكانت المصاطب تبرز من تلال ترتفع إلى ما فوق الموقع وتتجه شرقا. وكان في أسفل الموقع، من جهة الغرب، واد عريض منبسط. أما التلال نفسها فتواجه الغرب. وكانت المياه المتدفقة في وادي أحمد تعبر أرض القرية متجهة نحو الغرب فتروي بساتين الزيتون الواقعة في الركن الشمالي من القرية. وكانت عين كارم تعد من ضواحي القدس، وكانت طريق مرصوفة بالحجارة تربطها بالطريق العام، الذي يصل القدس بيافا والذي يمر على بعد ثلاثة كيلومترات شمالي القرية. وتشير الأدلة الأثرية إلى أن هذا الموقع كان آهلا منذ الألف الثاني قبل الميلاد. وتقول إحدى الروايات: إن عين كارم هي مسقط رأس يوحنا المعمدان، كما يقال: إن السيد المسيح والسيدة مريم العذراء زارا عين كارم مرات عدة. وثمة اعتقاد أن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بها ذات مرة خلال الفتح الإسلامي، وصلى فيها.

                          في أيام الصليبيين، سميت القرية سانت جيهان ذو بوا. أما السجلات العثمـانية فتـبـين أن عـين كارم كانت في سنـة 1596م قـريـة في نـاحيـة [ ص: 119 ] القـدس (لواء القدس)، لا يتجاوز عدد سكانها 160 نسمة. وكانت عين كارم تؤدي الضـرائب على عدد من الغلال كالذرة والشعير، بالإضافة إلى عناصر أخـرى من الإنتـاج والمستـغـلات كالمـاعـز وخـلايا النحل ودبس الخروب وكروم العنب.

                          ومع بداية القرن العشرين، توصل نفر غير قليل من أبناء هذه القرية إلى احتلال مناصب بارزة، كالشيخ عيسى منون، الذي تبوأ في الأزهر الشريف في مصر منصب عميد كلية أصول الدين في سنة 1944م، وعميد كلية الشريعة في سنة 1946م. وقيل: إن عين كارم كانت مقر القيادة السري، الذي أدار منه الزعيم الفلسطيني الشهير "عبد القادر الحسيني"، رحمه الله، عملياته في الفترة ما بين: 1936م- 1939م.

                          كانت عـين كارم كبرى قرى قضـاء القدس، سواء من حيث المساحة أو من حيث عدد السكان. وكانت منازلها مبنية بالحجر الكلسي والطبشوري وتعلو أبوابها ونوافذها قناطر مميزة. 2510 من المسلمين و670 من المسيحيين. وكان السكان يتألفون من خمس حمائل، لكل منها حوش يجتمع فيه أبناء (الحمولة) إلى ضيوفهم للسمر والاحتفال بالمناسبات الخاصة. وكانت عيون كثيرة توفر للقرية مياه الشرب. وكان في القرية مدرستان ابتدائيتان (إحداهما للبنين والأخرى للبنات) ومكتبة وصيدلية، وكان فيها أيضا نواد رياضية واجتماعية عدة وجمعية كشافة للبنين. وكان سكان القرية يشهدون [ ص: 120 ] عروضا مسرحية، منها مسرحيات نوح إبراهيم الفنان والمنشد الفلسطيني، الذي أبعد عن قريته في شمال فلسطين إلى عين كارم، بسبب اشتراكه في النضال ضد الانتداب البريطاني. وكان من جملة وسائل الترفيه وسبل الإعلام الأخرى مسرح في الهواء الطلق، ومذياع في مقهى القرية موصول بمكبرات صوت لتمكين عدد كثير من الناس من الاستماع إليه.

                          كان لعين كارم مجلس بلدي يدير شؤونها الإدارية. وكان فيها على الرغم من وقوعها في منطقة جبلية، بعض الأراضي المسـتـوية في الشمـال (ولا سيما في منطقة تدعى المرج) تستنبت فيها الخضروات والأشجار المثمرة. وقد استنبت أشجار الزيتون وسواها من الأشجار المثمرة والكرمة على المنحدرات الجبلية. في سنة 1944م، كان ما مجموعه 1175 دونما مخصصا للحبوب، و7953 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين. وكان سكان عين كارم يعملون، فضلا عن الزراعة، في الصناعات الحرفية وفي صناعات خفيفة أخرى كمصنع تعبئة المياه المعدنية، الذي كان في القرية، على سبيل المثال. وكان في القرية عدة كنائس وأديرة، أبرزها كنيسة يوحنا المعمدان (وتسمى أيضا كنيسة مار يوحنا)، التي يقال إنها شيدت فوق الكهف، الذي ولد فيه. ومن جملة المؤسسات المسيحية الأخرى: دير الفرنسيسكان، وكنيسة الزيادة، ودير مار زكريا، وكنيسة سيدة صهيون والقبور التابعة للكنيسة. كما كان في جوار نبع يسمى عين مريم مسجد ذو مئذنة، سمي المسجد العمري تيمنا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين. [ ص: 121 ]

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية