الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          معلومات الكتاب

                          علاقة المغاربة بفلسطين (الرحلة والوقف)

                          الدكتور / حسن يشو

                          المبحث الثاني: أوقاف تميم بن أوس الداري:

                          إن ثـمـة وثائـق تؤكـد بالنـص الصـريـح على أن الوقـف الإسـلامي الأول في فلسطين هو الذي أوقفه الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين في مدينة الخليل (حبرون) على تميم بن أوس الداري وإخوته (وهم من لخم) مرة قبل الهجرة، ومرة بعدها؛ وذلك كان بشارة نبوية إعجازية تؤكد على هوية فلسطين الإسلامية، قبل فتحها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

                          ففي المرة الأولى، التي وفد فيها الداريون، سألوا رسول الله أرضا، فدعا بقطعة أدم (جلد) وكتب لهم كتابا نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب ذكر فيه ما وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للداريين، إذا أعطاه الله الأرض، وهب لهم بيت عيون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم، ومن فيهم إلى الأبد.. شهد العباس بن عبد المطلب، وخزيمة بن قيس، وشرحبيل بن حسنه، وكتب".

                          ولما هاجر الرسول إلى المدينة قدم عليه الداريون، وسألوه أن يجدد لهم الكتاب فكتب ما نسخته: ( بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم بن أوس الداري، أن له قرية حبرى وبيت عينون، قريتها كلها، سهلها وجبلها وماءها وحرثها وأنباطها وبقرها, ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحد بظلم، فمن ظلمهم أو أخذ من أحد منهم شيئا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) [ ص: 78 ]

                          وكتب علي في رواية أخرى عن النص السابق: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وإخوته: حبرون ومرطوم وبيت إبراهيم، وما فيهن عطية باتت بذمتهم، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم، فمـن آذاهـم آذاه الله، ومن آذاهـم لعنه الله... شهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علي بن أبي طالب وشهد".

                          وفي عهد الخليفة الأول، كتب للداريين ما نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا كتاب من أبي بكر أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استخلف في الأرض بعده، كتب للداريين أن لا يفسد عليهم مأثرتهم قرية حبرا وبيت عينون, فمن كان يسمع ويطيع فلا يفسد منها شيئا وليقم عمرو بن العاص عليهما، فليمنعهما من المفسدين" [1] .

                          وكتب الخليفة أبو بكر إلى أمير العسكر في الشام في أمر الداريين: "بسم الله الرحمن الرحيم.. من أبي بكر إلى أبي عبيدة بن الجراح.. سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فامنع من كان يؤمن [ ص: 79 ] بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين. وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الداريون يزرعونها فليزرعوها، وإذا رجع إليها أهلها فهي لهم وأحق بهم.. والسلام عليك" [2] .

                          لقد كان وقف تميم الداري من أقدم الأوقاف في تاريخ المسلمين، فضلا عن أوقاف فلسطين، ولم يسجل إلا في سنة 1096م، وكان مصروفا على منطقة الخليل، وأصبح يشمل أكثر من 60% من منطقة الخليل، وكان دخله سنة 1947م يصل إلى 15 ألف جنيه فلسطيني. غير أن الصهاينة استولوا على أراضيه وعقاراته بما يزيد على 500 دونم بموجب القرار العسكري رقم (59) بحجة الأمة تارة، وبحجة أن أراضيه أميرية؛ لأنها خارج مدينة الخليل. علاوة على المجزرة، التي أحدثها "باروخ جولد شتاين" في فجر الجمعة فأطلق الرصاص على 29 مصل وفي اليوم نفسه قتل جنود الاحتلال 31 فلسطينيا خارج الحرم. وبعد المجزرة شكلت لجنة أغلقت المدينة لعدة شهور اتخذت خلالها قرارات عدة منها تقسيم الحرم الإبراهيمي قسمين: القسم المسمى الإسحاقية للمسلمين، وبقية المسجد لليهود على أن يتم إغلاق الإسحاقية أمام المسلمين في الأعياد والمناسبات الدينية [3] . والله المستعان! [ ص: 80 ]

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية