الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          معلومات الكتاب

                          علاقة المغاربة بفلسطين (الرحلة والوقف)

                          الدكتور / حسن يشو

                          مقدمة

                          الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وآله وصحبه خلان الوفا، وبعد:

                          فإن الخير لا ولن ينقطع في أمة محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فالخير موصول في هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. كيف لا، و"الوقف" قائم بين ظهرانينا، فينبغي المحافظة عليه وتقويته وتنميته في مختلف المجالات ومناحي الحياة. ولا يخفى أن الوقف يمثل مؤسسة مجتمعية لا يستهان بها، وأن أهل العلم مدعوون للاهتمام به وتنشيطه، ففيه القربة وفيه الثواب العظيم من الله عز وجل . هذا ومن واجبنا إزالة آثار الغبار، الذي تراكم على الوقف في ردهة من الزمان، فالضعف ليس من الوقف ذاته، وإنما هو ناجم من المسؤولين عنه والمتولين له والناظرين عليه [1] .

                          إن أمـلاك الوقـف الإسـلامي مـلـكية شـرعية لا يمـكن التطـاول عـليها أو انتزاعها أو حـتى تجريدها من صفتها القانونية والشرعية، التي هي الأساس في التعامل معها.

                          وذلك لأن الـوقف أصـلا يمثـل حـيـزا كبـيـرا من العـقـارات والمؤسـسـات في العـالم الإسـلامي والأراضي المقدسة بما فيها الأرض، التي بارك الله فيها [ ص: 7 ] وما حولها، أرض فلسطين عامة والقدس الشريف خاصة. وبات نظام الوقف يشرف على عدد لا يستهان به من المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والصحية علاوة على المساجد والتكايا والزوايا والمقابر وهلم جرا. وتأتي أهمية الأوقاف نظرا للتقصير، الذي حصل في إدارتها والمحنة، التي تعرضت لها عبر التاريخ، وإن ثمة أطماعا استعمارية من قبل الغزاة عامة والصهاينة اليهود خاصة.

                          وإن إثارة موضوع الوقف الإسلامي بفلسطين وأوقاف المغاربة يأتي في إبانه؛ من أجل حمايتها والتنبيه على مواطن الخطر، التي تهددها كل يوم، ولعلها توقظ الضمائر الحية في الأمة، من طنجة إلى جاكرتا.

                          وإني أتشرف بالكتابة حول فلسطين وما يتعلق بها من أحكام شرعية وفقهية؛ وذلك لمكانتها في قلوبنا -معاشر المسلمين- ويأتي هذا البحث من باب البر والصلة بهذه الأرض؛ لأن لنا حبلا سريا يربطنا بها.

                          علاوة على أنه ينم عن علاقة وطيدة وحميمية مبكرة للمغاربة مع الأرض المقدسة: أرض الآباء والأجداد، أرض الأنبياء والشهداء، سواء تعلق الأمر بالأسباب الدينية أو الرحلات العلمية والروحية والاستكشافية، أو ببطولة المجاهدين المغاربة ضد الصليبيين العتاة، الذين غزوا بلاد الشام عامة وفلسطين خاصة، أو بالأوقاف الإسلامية في بيت القدس الشريف وأكناف بيت المقدس وهي التي استوقفتنا مليا في الحفر عن أسبابها والتحديات المتربصة بها، واستلهام الحلول والتوصيات للخروج من هذا المأزق؛ وذلك من خلال هذه الرحلة الماتعة! [ ص: 8 ]

                          هذا، وتأمل عزيزي القارئ فضل القدس، التي كانت محلا لأوقاف المغـاربة؛ تلكم الدرة الثمينة، والياقوتة الغالية، ويكفي أن أسوق أنموذجا فقط لما قاله مجير الدين الحنبلي عن رواية مقاتل بن سليمان: "ما فيه شبر إلا وقد صلى عليه نبي مرسل، أو قام عليه ملك مقرب... وتاب الله على زكريا وبشره بيحيى في بيت المقدس، وكان الأنبياء، عليهم السلام، يقربون القرابين في بيت المقدس، وأوتيت مريم، عليها السلام، فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء في بيت المقدس، وولد عيسى عليه السلام وتعلم في المهد صبيا في بيت المقدس، ورفعه الله إلى السماء من بيت المقدس، وأنزلت عليه المائدة في بيت المقدس، وأعطى الله البراق للنبي صلى الله عليه وسلم تحمله إلى بيت المقدس" [2] .

                          هذا وأن فلسطين أرض وقف إسلامي إلى يوم القيامة، فهي أرض عربية الأصول من غير مين، إسلامية الجذور بلا نزاع منذ آلاف السنين. وعليه؛ فالواجب على جميع أبناء الأمتين العربية والإسلامية أن يعتكفوا على دراسة تاريخ فلسطين، وأن يتحروا الدقة والموضوعية فيها؛ حتى يتعرفوا على حقوقهم ابتداء، ويردوا كيد الحاقدين، ويدحضوا شبهاتهم ويفندوا أوهامهم وأغلوطاتهم. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:


                          مـثل القوم نسوا تاريخـهم كلقيط عـي فـي الحـي انتسابا     أو كمـغلوب على ذاكـرة
                          يشتكي من صلة الماضي انقضابا

                          [ ص: 9 ]

                          ومن هنا تأتي دعوتنا لكل غيور على تاريخه للقيام بواجبه تجاه فلسطين وأهلها وأوقافها الإسلامية بلا استثناء، وأوقاف المغاربة ليست عنها ببعيدة، ولله الحمد والمنة.

                          وقـد عرفت مـدينة القـدس نـظام الوقـف الإسـلامي منذ أن دخلت في رحاب الإسلام [3] ، ويدل ذلك على أن أرض فلسطين كانت محل أنظار المسلمين منذ بزوغ بدر الرسالة الإسلامية. وقد مسح الاحتلال الفرنجي للقدس خلال الفترة الزمنية الطويلة، التي تمكن فيها من هذه المدينة (492هـ/ 1099م- 583هـ/1187م) كل ما كان فيها من تراث عربي وإسلامي مخطوط، حتى إنهم رموا أحد علمـاء القـدس - وهو مـكي بن عبد السلام ابن الرميلي المقدسي المحدث- بالحجارة على باب أنطاكية إلى أن نال الشهادة.

                          كما تأتي أهمية الحديث عن الأوقاف الإسلامية في فلسطين ولاسيما أوقاف المغاربة؛ لأن الحروب المتوالية في الصراع العربي الإسرائيلي بدأت حقيقة في القدس، وبالضبط من منطقة أوقاف المغاربة، من حائط البراق المتصل بمنازل [ ص: 10 ] المغاربة مباشرة. هذا، وللتاريخ عبق لا ينسى؛ فباتت العناية بالموضوع ضمن الوفاء لهذه الأرض، ودفعا لتحديات وتآمرات دولية وصهيونية في خوض معترك الأوقاف الإسلامية بفلسطين ومحاولة طمس معالمها ورفس وثائقها وشهادات التاريخ في مصـداقيتها، بل والاستيـلاء عليها والسطـو بالـقـوة والقهر، وبدعوى -أحيانا - أنها أوقاف غير مسجلة في ملفات المحاكم الشرعية على العهد العثماني؛ مما حمل البريطانيين إلى عدم اعتبار أي وقفية لم تتضمنها هذه الملفات، وهذا ما نص عليه القانون الإنكليزي لعام: 1919م، الخاص بالأوقاف.

                          ولا توجد دراسة مسح شاملة لأوقاف فلسطين يمكن التعويل عليها، فمعظم المسوحات - لحد اللحظة- تعوزها الدقة.

                          وللتاريخ، فإن عملية مسح أوقاف فلسطين عملية شاقة وتحتاج إلى جهد مضن ووقت طويل، ولا يستطيع الاضطلاع بهذه المهمة آحاد الناس، بل لابد أن تنوء به المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية والتاريخية، وأن يأخذ العمل في مساره الطابع الجماعي، أو عمل الفريق والمؤسسة، بحيث تتوزع المهام والأدوار بحسب التخصص، وأن تكون فيه جهة راعية تتسم بالحرقة على ما يجري من تهديدات للأوقاف الإسلامية بالأرض المقدسة والشجاعة على طرح الأفكار النبيلة والمواجهة للعدو بالحق والقانون والتاريخ.

                          تعد الأوقاف الإسلامية إحدى بؤر الصراع العربي الصهيوني بأرض فلسطين المحتلة عموما، وبالقدس الشريف على وجه الخصوص، نظرا لما تختزله هذه الأوقاف من المعالم الحضارية الناطقة بعمق انتماء هذه البلاد إلى حظيرة [ ص: 11 ] الأمة العربية والإسلامية، والكاشفة في ذات الوقت عن زيف الادعاءات الصهيونية في "أرض الميعاد" المزعومة!؟

                          كانت أكبر محنة للأوقاف الإسلامية هي قيام دولة إسرائيل؛ حيث وضعت المؤسسة الصهيونية يدها على كافة الأوراق والوثائق البريطانية ذات الصلة بالوقف الإسلامي، وقامت بمصادرة الأراضي الوقفية بحجة ما يسمى "قانون أملاك الغائبين" وصودر ما عليها من مساجد ومقابر فحولت الكثير من المساجد إلى مطاعم وخمارات وحظائر للأبقار أحيانا وكنائس ومعابد لليهود تارة أخرى. وجرفت المقابر ونبشت عظام المسلمين وأقامت عليها الشقق السكنية والعمارات الشاهقة.

                          وكان هذا من بواعث الكتابة في الموضوع، علاوة على صرخات أمناء المسجد الأقصى وحراسه ومحامي الأوقاف الإسلامية عبر كل القنوات، الذين اعتقلوا وزج بهم وراء القضبان عشرات المرات [4] .

                          في المرحلة الأولى من الاحتلال الإسرائيلي ومن أجل ترسيخ الاستيطان في الأراضي الفلسطينية تجلت الأهداف العدوانية المنظمة، والمخططة لاحتلالها لتلك الأراضي ومنها: [ ص: 12 ]

                          - اختيار أجود الأراضي الزراعية وأخصبها.

                          - السيطرة على الموارد المائية والثروات الطبيعية.

                          - احتلال الأراضي الفلسطينية واتخاذها مواقع عسكرية.

                          - خنق الأماكن السكانية الفلسطينية.

                          - إغراق السوق الفلسطينية بالاقتصاد الإسرائيلي.

                          - طمس المعالم الحضارية والثقافية التاريخية الفلسطينية، وتدمير الآثار والكنوز الوطنية، التي تشكل معلما مهما لأقدم الحضارات في العالم على أرض فلسطين.

                          يظهر جليا أنه بعد قيام دولة (إسرائيل) قامت المؤسسة الصهيونية بعمليات هدم منهجية للأوقاف والمقدسات الإسلامية كمحصلة لهدم القرى والمدن الفلسطينية، التي نكبت وهجر أهلها، واستعملت المؤسسة الصهيونية الأساليب الآتية لتدمير الوقف الإسلامي [5] :

                          1- الهدم المباشر للمساجد والأوقاف والتكايا والزوايا والمقابر.

                          2- تحويل المساجد إلى خمارات ومقاه ونواد أو متاحف.

                          3- تحويل بعض المقابر إلى مجمعات للنفايات.

                          4- مصادرة الأراضي الوقفية العامة والخاصة ونقلها إلى دائرة أراضي (إسرائيل).

                          5- وإقامة شركات وهمية أو منبثقة عن هذه الدائرة كشركة هيمونتا . [ ص: 13 ]

                          6- تشكيل شركات حكومية للإشراف على الأوقاف في المدن الساحلية كتلك التي يمكن أن تعتبر معـالم سياحية تشكل رافـدا ماليا كما هي الحال في عكا (مثلا) حيث شكلت شركة تطوير عكا.

                          7- منعت المسلمين من ترميم أوقافهم المتصدعة خاصة في المدن الساحلية والمهجرة، وجعلت عوامل الزمن تأخذ دورها في هذه الوقفيات.

                          8- منعت المسلمين من دخول القرى المنكوبة، وزرعت بعض الأراضي بالغابات لطمس المعالم نهائيا، كما حدث في بعض القرى والنجوع في ألوية بيسان وطبريا.

                          9- تحـويل بعض الأوقـاف الإسلاميـة إلى أوقـاف يهـودية خـاصة فيما يتعلق بقبور بعض الصالحين والخانات والمصليات والتكايا .

                          10- تعيين لجان وقف إسلامية لشرعنة مصادرة الأوقاف، كما حدث في المدن الساحلية (حيفا وعكا).

                          وهذا المنهج للسطو على الأوقاف الإسلامية عرفناه من قبل الاستعمار الفرنسي في الجزائر، حيث تعمدوا استهدافها بكل ما يملكون، فأصدروا قرارا بضم الأحباس الإسلامية لأملاك الدولة عام 1830م، وتوزيعها على المعمرين.

                          وقد استعمل الصهاينة كل الوسائل للسطو على الأوقاف الإسلامية بفلسطين، استعملوا القوة والقهر، واستعملوا النصب والتحايل، وعملوا من غير فتور على إلغاء الهوية الإسلامية عبر العدوان الغاشم على الأوقاف، وسنوا قوانين، وأصدروا قرارات تحد من إعادة تملك الأوقاف للمسلمين، وفصلوا [ ص: 14 ] الأوقاف في فلسطين عن بعضها البعض وتحديدها بمجالس موالية له، بل تدخلوا في بنية المؤسسة الوقفية واستراتيجيتها وخططها التشغيلية، وقد عززوا الغفلة الشعبية والجماهيرية عن دور الوقف الفاعل في التنمية، وإن بمؤامراتهم على الوقف يضعفون قدرة المسلمين في مقاومة المحتل ومناهضته. هذا ما يجعل العقلاء في هذه الأمة وصناع القرار ينتبهون لأهمية الأوقاف في خدمة مشروع التحرير لأرض فلسطين، كل فلسطين.

                          ولقد ظلت الأوقاف المغربية محفوظة مصانة بأعيانها عبر اختلاف العصور، وخاصة أيام الفتح العثماني عام 922هـ- 1516م، وحتى بعد الاحـتـلال البـريطـاني سنة 1335هـ، المـوافـق لـ 1917م، ولم تتعرض للانتهاك إلا بمجيء العصابات الصهيونية عام 1367هـ- 1948م، حيث سطت على جانب مهم من أوقاف أبي مدين وغيرها.

                          وقد وجد في سجلات المحكمة الشرعية بالقدس سجل يتحدث عن أشهر وقفيات المغاربة بمدينة القدس وقد أعده العالمان الفاضلان الشيخ محمد أفندي بن محمد بن حميد التونسي، والشيخ محمد أفندي المهدي بن المهدي الجواني الجبلي سنة 1923م، وأودعاه في هذه المحكمة، وأودعا نسخة أخرى عند متولي وقف المغاربة في القدس الشريف. ولكن حادث الاعتداء على المحكمة الشرعية بعد عام 1967م، من قبل قوات الاحتلال، وهدم حارة المغاربة في العام نفسه كانا سببا في فقد النسختين، ولحسن الحظ كان المرحوم الشيخ سعد الدين العلمي مفتي القدس الشريف يحتفظ بصورة عن هذا السجل، وللشيخ المرحوم الثواب والمغفرة، وفي السنوات الأخيرة تم العثور على [ ص: 15 ] النسخة المفقودة، التي كانت أصلا موجودة في المحكمة الشرعيـة، ومنها ظهرت معلومات أساسية عن وقفيات المغاربة، ولله الحمد والمنة.

                          وقد وجدت بعض الدراسات المتصلة بالموضوع منها:

                          1- أوقاف المغاربة بالقدس، د. عبد الهادي التازي [6] .

                          2- وقفيات المغاربة، جمع د. أحمد العلمي [7] .

                          3- وقف سيدي أبو مدين في القدس الشريف، للباحث الجزائري د.زعيم خنشلاوي، والباحث الفلسطيني د. محمد الحزماوي [8] .

                          4-أوقاف المغاربة في أرض فلسطين، إعداد الباحث عبد الرازق متاني [9] .

                          نقصد بالمغاربة سكان المغرب الكبير، الذي كان يتسع للمغرب الأدنى "تونس" والأوسط "الجزائر" والأقصى "المغرب"، وتنضاف إلى هذه البلدان الأندلس وموريتانيا. والحق أن معظم الوقف المغربي بالقدس الشريف كان من نصيب المغرب الأقصى بالدرجة الأولى ثم الجزائر في المرحلة الثانية، غير أن الجزائر الجارة الشقيقة كانت جزءا من جغرافية المغرب الكبير في عهد دولتي المرابطين والموحدين. [ ص: 16 ]

                          هذا، وما زالت في فلسطين الجالية المغربية والتي تتجاوز الألف عائلة [10] ، ولهم موقع على الشبكة العنكبوتية، ويتواصلون فيما بينهم، وتشغلهم الأوقاف الضائعة منهم بفعل الاحتلال الصهيوني الغاشم، فنسأل الله تحرير الأرض من أعدائها المحتلين، وعودة الأوقاف لأصحابها؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

                          وقد كان منهاجي في هذه الدراسة:

                          منهجا استقرائيا: يرتكز على التحقق بالملاحظة المنظمة الخاضعة للتجريب مع التحكيم في التغيرات المختلفة؛ ليصل في النهاية إلى قوانين عامة.

                          منهجا تاريخيا: يهدف للوصول إلى المبادئ والقوانين العامة في أحداث التاريخ الماضية وتحليل الحقائق المتعلقة بالمشكلات الإنسانية والقوى الاجتماعية، التي شكلت الحاضر. كثيرا ما يصعب فهم حاضر الشيء دون التعرف على الخلفية التاريخية. ويعتمد البحث التاريخي على دراسة الوثائق التاريخية والسجلات؛ لاستخلاص الحجج؛ وتجميعها من أجل استنتاجات داعمة للحقائق المجهولة، أو تعميمات فيما يتعلق بالأحداث الماضية والحاضرة. وتحديد المشكلة، التي تهمه أو تواجهه. ويقوم هذا المنهج على جمع المادة العلمية عن تلك المشكلة من جميع المصادر المتوفرة. وتمحيص المادة العلمية اللازمة ونقدها وتقويمها. وصياغة الفروض، التي تفسر الأحداث في ضوء ما توافر للباحث من معلومات مدروسة ومقومة، وتفسير وتعليل النتائج، التي توصل إليها. [ ص: 17 ]

                          منهجا وصفيا: ولا يعتمد المنهج الوصفي، كما يعتقد البعض، على مجرد وصف ظاهرة معينة موجودة، بل يتعدى ذلك إلى اكتشاف الحقائق، وآثارها، والعلاقات التي تتصل بها، وتفسيرها، والقوانين التي تحكمها. ويصنف المنهج الوصفي إلى:

                          الدراسات المسحية: ترتكز على دراسة الجوانب المختلفة لظاهرة أو مشكلة معينة في مجتمع أو بيئة محددة، فالغاية هي مسح مشكلة أو ظاهرة معينة لتحديد طبيعتها ومعرفة خصائصها بصورة موضوعية للوصول إلى تعميمات بشأنها.

                          الدراسات المتعلقة بالعلاقات المتبادلة: فهي تحاول أن تربط بين المتغيرات المختلفة مع بعضها وتحدد العوامل المشتركة؛ وذلك لتحليل الأسباب.

                          الدراسات التطويرية: فهي تعنى بمتابعة تطور ظاهرة معينة؛ مثل دراسة النمو عند الإنسان وتطور قدراته أثناء نموه.

                          ودراستنا هذه تنتمي للجغرافية السياسية أو "الجيوبوليتيك"؛ لأنها الجذر الجبري للتـاريخ، وعملية استقطاب له وتركيز.. أكثر من هـذا ليس التـاريخ إلا "جيوبوليتيك" متحركة [11] .. وعلى هذا الأساس تقوم الدراسة الراهنة لمدينة القدس وأوقاف المغاربة بفلسطين. [ ص: 18 ]

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية