الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      العمل الخيري في ضوء الحديث النبوي

      الدكتور / الداي ولد محمد ولد إيوه

      وعلى المسـتوى الإقليمي للمجتـمع العربي كله، تتجلى ضـرورة التفعيل في ثلاثة دواع أساس: [ ص: 171 ]

      أولها: أن جميع أبناء هذا المجتمع تجمعهم ثقافة واحدة، وهي الثقافة العربية الإسلامية، ولا تعدو ثقافة التطوع كونها نسقا فرعيا داخل هذه الثقافة الواحدة، ومن ثم فإن تفعيلها يسهم في تفعيل وتقوية الثقافة الأم، ويدعم من أواصر الأخوة والتضامن على أساس من القيم المشتركة.

      وثانيها: أن ثمة حاجة فعلية لنقل بعض ثمرات العمل التطوعي من بعض البلدان العربية، التي أصبح فيها التطوع يشكل مجالا حيويا نشطا (مثل بعض بلدان الخليج العربي) إلى بلدان عربية أخرى تواجه مشكلات حادة، وهي أولى بالرعاية وأحق لتلقي إسهامات الأشقاء، وكلما كانت ثقافة التطوع أكثر فاعلية على الصعيد العربي زادت إمكانية تحقيق هذا التكامل.

      يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض ) ثم ذكر زهرة الدنيا، فبدأ بإحـداهما، وثنى بالأخرى، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، قلنا: يوحى إليه، وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير، ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء، فقال:

      ( أين السائل آنفا، أوخير هو - ثلاثا - إن الخير لا يأتي إلا بالخير، وإنه كلما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر، كلما أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها، استقبلت الشمس، فثلطت وبالت، ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه [ ص: 172 ] بحقه، فجعله في سبيل الله، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، ومن لم يأخذه بحقه، فهو كالآكل الذي لا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة ) [1] .

      ( فثلطت ) أي ألقت رجيعها سهلا رقيقا.. ضرب في هذا الحديث مثلين أحدهما للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها، والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها.. فالذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك في الآخرة بدخوله النار، وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه وغـير ذلك من أنواع الأذى [2] .

      وثالثها: دعم ثقافة التطوع وتيسير آثاره الفكرية والعلمية عبر الأقطار العربية من شأنه المساعدة في الأخذ بيد البعض منها للخروج من حالة الانغلاق على الذات، وقد يساعد أيضا في تجنب الوقوع تحت تأثير المنظمات الأجنبية العاملة في مجال التطوع.

      أما على المستوى العالمي، فإن تفعيل ثقافة التطوع في المجتمع العربي يعتبر ضرورة حضارية، ذلك لكي تتمكن الأمة العربية من الإسهام بفاعلية في بناء وصوغ الخطاب العالمي حول ثقافة التطـوع، إذ من غير اللائق - حضاريا- ألا يكون لهذه الأمة إسهام بارز في هذا المجال، وهي تمتلك تراثا غنيا بالقيم والمبادئ، التي يمكن أن تستفيد منها البشرية، وهي في حاجة فعلية إلى مثلها. [ ص: 173 ]

      ومن غير اللائق - حضاريا أيضا، خاصة وأن المجتمع الغربي قد وصل إلى مستوى متقدم، في مجال الأعمال التطوعية- أن تكون المشاركات العربية شكلية وغير مؤثرة في المنتديات العالمية المعنية بشؤون التطوع وقضاياه، أو أن يكتفي المشاركون العرب بترديد ما يقوله الآخرون، ولا يظهر لهم دور واضح يقدمون من خلاله المضمون الإسلامي لثقافة التطوع، وينعكس فيما يصدر عن تلك المنتديات من بيانات ومواثيق أخلاقية.

      وحتى يتحقق شيء من ذلك، فإن ثمة ضرورة لتفعيل ثقافة التطوع على المستوى النظري التأصيلي والعمل التطبيقي في المجتمع، وإلا فلن يكون لأمتنا دور في هذا المجال على المستوى العالمي، وستبقى التبعية لخطاب ثقافة التطوع الأجنبية ما بقيت ثقافة التطوع في المجتمع العربي راكدة وغير فاعلة.

      وثمة ضرورة - أيضا - لتفعيل إدارة العمل الخيري التطوعي على المستوى العملي والتطبيقي.

      وعلى الرغم من أن بعض دوافع المؤسسات الخيرية في الغرب تشوبها دوافع مصلحية أو سياسية أو تبشيرية، إلا أن بعضها ناتج من مستوى الوعي المجتمعي بأهمية العمل الخيري، ومن الفطرة الإنسانية، التي تدفع بالإنسان كإنسان إلى خدمة أخيه الإنسان وخدمة مجتمعه وأمته، وكان أحرى بنا - نحن المسلمين - أن نكون سباقين للأعمال الخيرية [3] ، كما كان المسلمون في القرون الأولى أسبق الناس للأعمال الخيرية والتطوعية. [ ص: 174 ]

      فتعاليم ديننا تحثنا على ذلك، والأعمال الخيرية أفضل الأعمال التي تقرب الإنسان إلى الله عز وجل: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة ) [4] ، فطيب الكلام من جليل عمل البر لقوله تعالى: ( بالتي هي أحسن ) (فصلت:34) ووجه كون الكلمة الطيبة صدقة أن إعطاء المال يفرح به قلب الذي يعطاه ويذهب ما في قلبه، وكذلك الكلام الطيب فاشتبها من هذه الحيثية [5] .. ( لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا.. ) [6] .. ومعنى ( كونوا عباد الله إخوانا ) أي تعاملوا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك من صفاء القلوب والنصيحة بكل حال [7] .

      فالمشاركة في الأعمال الخيرية هي مطلب ديني، كما أنها حاجة إنسانية، وضرورة اجتماعية، فلنشارك بما نستطيع، فهذا من أفضل الأعمال المندوبة عند الله سبحانه وتعالى والمحببة عند الناس.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية