الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      المبحث الثاني

      غايات العمل الخيري

      أصبح العمل التطوعي في الوقت الحاضر سمة من سمات الحضارة ودليل على تقدم المجتمع وتكاتف أبنائه لتقديم الرعاية لذوي الحاجات بمختلف أوجهها فضلا عن كونه وسيلة من وسائل تنمية المجتمع والنهوض بالبيئة المحلية وبالإضافة إلى ذلك فقد امتد العمل التطوعي ليشمل مديد العون من أفراد المجتمع إلى المجتمعات الأخرى ذات الاحتياج في أنحاء متفرقة من المعمورة.

      بل وحتى من هم تحت رعايته كالأبناء إذ سعى في تحصيل ما يعيلهم به ويغنيهم عن غيرهم حتى بعد ممات معيلهم في كون المال الذي تركه فيه منفعة لهم وقد ينتفع به غيرهم.. أخرج البخاري: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، رضي الله عنه ، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: ( لا ) فقلت: بالشطر؟ فقال: "لا" ثم قال: ( الثلث والثلث كبير - أو كثير - إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله [ ص: 90 ] إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك" فقلت: يا رسول الله، أخلف بعد أصحابي؟ قال: "إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به درجة ورفعة، ثم لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ) [1] .

      وفي هذا الحديث من الفوائد:

      أن أعمال البر والطاعة إذا كان منها ما لا يمكن استدراكه قام غيره في الثواب والأجر مقامه، وربما زاد عليه، وذلك أن سعدا خاف أن يموت بالدار، التي هاجر منها فيفوت عليه بعض أجر هجرته، فأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه إن تخلف عن دار هجرته فعمل عملا صالحا من حج أو جهاد أو غير ذلك كان له به أجر يعوض ما فاته من الجهة الأخرى [2] .

      - دور العمل الخيري في تنمية المجتمع:

      اكتسب مفهوم العمل الخيري أهمية بارزة في السياق الفكري الاجتماعي بصفة عامة، وقد استمد هذا المفهوم أهميته من اتصاله بمفهوم أكثر محورية وهو مفهوم المجتمع المدني، حيث تتباين وظائفه وأدواره في برامج الحركات الاجتماعية وتطور المجتمعات، فانطلاقا من مفهوم العمل الخيري، الذي أشرت إليه في الفصل الأول، بصفته عملا خاليا من الربح والعائد، حيث يقوم المتطوع بتقديم الإيثارية على الأنانية، والبذل على الكسب في معالجة المشكلات الحياتية للجماعات الاجتماعية، فيما يقوم به الأفراد المتطوعون [ ص: 91 ] ويبذلونه من وقت ومال وجهد لصالح المجتمع في شتى ميادين العمل التطوعي والخيري المتعددة، لا يتوقعون له مقابلا موازيا.

      ولقد كان للقيم الاجتماعية، وخاصة الدينية المتجذرة في المجتمع العربي الإسلامي، دور أساس في تعميق روح العمل الخيري، حيث امتاز الدين الإسلامي بأنه يفصل بين مساعدة الآخرين بمفهومها التطوعي وبين الصدقة بمفهومها الإسلامي، ومن هنا كان العمل الخيري هو المواءمة بين الصدقة والتطوع.. فالسنة النبوية مليئة بالحث على الخير: ( يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ) [3] .

      فهؤلاء هم الذين معهم مجـرد الإيمان وهم لم يؤذن في الشفاعة فيهم، وإنما دلت الآثار على أنه أذن لمن عنده شيء زائد على مجرد الإيمان، وجعل للشافعين من الملائكة، والنبيين دليلا عليه، وتفرد الله عز وجل بعلم ما تكنه القلوب والرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان، وضرب بمثقال الذرة المثل لأقل الخير، فإنها أقل المقادير، وفيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه [4] .

      وفي الحديث أيضـا: ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) [5] .. وفيه فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم [ ص: 92 ] العلم ووظائف العبادات، لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم، والمراد بمثل أجر فاعله: أن له ثوابا بذلك الفعل، كما أن لفاعله ثوابا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء [6] .

      وقد اضطلع المتطوعون بدور مهم، كما وكيفا، في رعاية وتطوير الدول، الصناعية منها والنامية، من خلال البرامج القومية في مجال المساعدات الإنسانية والتعاون التقني وتعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية.. كما يشكل التطوع أيضا أساسا لكثير من نشاطات المنظمات غير الحكومية، ومنها الروابط الحرفية والاتحادية والمنظمات المدنية، هذا إضافة إلى كثير من المشاريع في مجالات مختلفة، وبذلك يرتبط مفهوم العمل الخيري والتطوعي بالتنمية الشاملة من خلال الكثير من تلك الأعمال والبرامج، التي تستهدف الإنسان وترقى به، ابتداء بالفرد ثم الأسرة، ومن ثم تمتد إلى المجتمع تلك الحلقات الثلاث المترابطة بمجموعها ومفرداتها، فصلاح الأسرة من صلاح الفرد، وصلاح المجتمع من صلاح الأسرة.

      فحقيقة العمل الخيري، يجب أن ترتبط فيما يمكن أن تحدثه من تأثيرات ومتغيرات في المجتمع باتجاه التنمية الشاملة، فهو ليس جهودا تبذل وحسب لإنقاذ مصاب أو علاج مريض، أو أموال تنفق لسد رمق محتاج، بل إن خطط العمل الخيري يجب أن تكون في اتجاه التنمية وفي اتجاه بناء المجتمع، فردا وأسرة، ومن هنا يمكن أن نضع الأعمال في سياقها الصحيح المنتج حيثما [ ص: 93 ] نخطط للبرامج الموجهة إلى كل من الفئات.. وسنعرض لذلك بإيجاز في مجال الفرد والأسرة:

      التالي السابق


      الخدمات العلمية