الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ومما يلاحظ، أن العمل الخيري في الإسلام له سمات تميزه عن غيره من أعمال الخير في الديانات والفلسفات الأخرى، وهذه السمات هي: [ ص: 71 ]

      أولا: الشمول.

      ثانيا: التنوع.

      ثالثا: الاستمرار.

      رابعا: قوة الحافز.

      خامسا: إخلاص النية.

      أولا: الشمول.. أو لمن يقدم الخير؟:

      يقدم المسلم الخير والعون لكل من هو في حاجة إليه، سواء كان قريبا أم بعيدا، صديقا أم عدوا، مسلما أم كافرا، إنسانا أم حيوانا.

      فالمسلم لا يقصر خيره وبره على أقاربه وذوي رحمه، وأهل بلده، وإن كان الإسلام يوصي بالأقربين أكثر من غيرهم، كما قال تعالى: ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى ... ) (البقرة:215).

      ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الدينار دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله ) ـ قال أبو قلابة: بدأ بالعيال، ثم قال: ( فأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال له صغار يعفهم الله به ويغنيهم الله به ) [1] .

      ومع هذا يرى الإسلام أن للغرباء والأباعد حقوقا أيضا، بحكم إسلامهم إن كانوا مسلمين، وبحكم إنسانيتهم إن لم يكونوا مسلمين. وقد ذكر الله في [ ص: 72 ] آية الحقوق العشرة الوصية بالجيران فقال تعالى: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ) (النساء:36).

      ولا يقصر المسلم خيره وإحسانه على أصدقائه وأحبابه، ويحرم منه خصومه وأعداءه، فالمطلوب أن يعم الخير الجميع، وإذا كان القرآن الكريم نهانا أن يحملنا بغض قوم على أن لا نعدل معهم: ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) (المائدة:8)، فـكذلك، لا ينبـغي أن تحـمـلنا عـداوة قـوم أو بغضـهم على أن لا نرحمهم ولا نبرهم ولا نـحسن إليهم، فإن المسلم إنسان رحيم بكل خلق الله، وإن عادوه وآذوه.

      وفي الحديث: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.. ) [2]

      ولا يكف المسلم خيره وبره عمن يخالفه في الدين بحيث لا يقدم العون إلا لمسلم ولا يجود بالخير إلا على مسلم، فإن الكافر يعيش في ظل ملك الله، ويأكل من رزق الله، ولا يحرم من بره ورحمته؛ وقد قال تعالى في وصف الأبرار من عباده: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) (الإنسان:8)، وقـد كان الأسير في ذلك الوقـت من المشـركين، ولكن الله [ ص: 73 ] عز وجـل مدح الذين يطعمونه في أسره، ولا يدعونه يعاني الجـوع أو العطش أو غيرهما، والمفروض أن الأسير كان إنسانا محاربا ووقع في الأسر، ولكن هذا لا يحرمه حقه في الطعام والشراب وحسن المعاملة، التي تليق بالآدمي المكرم.

      ولا يقف المسـلم بخيـره وإحسـانه عند الإنسـان المكرم، بل يتجاوزه إلى الحيوان الأعجم، فهو يرحم الأنعام، التي يستخدمها في الحرث والسقي.. وفي الحديث: ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة ) [3] .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية