الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      2- الجمعيات الإنسانية: وتنتشر في عدد من دول الخليج العربية، وتشمل الجمعيات الخيرية، التي تتوجه بخدماتها إلى الشرائح المحتاجة من معوزين وأيتام ومطلقات وأرامل وطلبة وضعيفي الدخل، لمساعدتهم على مواجهة أعباء المعيشة وتجاوز مشكلاتهم وتمكينهم من الاندماج الاجتماعي.. كما تتوجه الجمعيات الإنسانية بخدماتها نحو الفئات الخاصة كالأحداث والمعوقين والذين هم بأمس الحاجة للرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والتعليمية.

      وتهدف الجمعيات الإنسانية بشكل عام إلى تخفيف آثار العقبات والصعوبات والكوارث، التي تعترض الأفراد والأسر داخل الدولة أو خارجها، بالمساهمة بجمع التبرعات لصالح المنكوبين والمتضررين من الكوارث، أو من أصحاب العسر المـادي - مهما كانوا - ومساعدتهم بالمال وغيره، فأساس العمل المقبول عند الله تعالى هو إخلاص النية، وهنا يجب التنبيه على أمرين، أو شرطين أساسين، يغدو العمل بتوافرهما صالحا مقبولا عند الله تعالى، سواء تعلق الأمر بالجمعيات الدينية أو الجمعيات الإنسانية؛ لأن جهودهما تتجه كلها إلى فعل الخير:

      أولهما: أن يكون خالصا لله تعالى، غير مشوب بالرياء وحب الجاه.

      وثانيهما: أن يكون صوابا مراعيا سنن الله في خلقه.

      ويعني الأمر الأول: التركيز على بواعث العمل وغاياته، لا على مجرد صورتـه، فـلكل عمـل جـسم وروح، فجسمـه هو شـكله الظـاهري المرئي أو المسموع، وأما روحه فهو النية، التي دفعت إليه والإخـلاص، الذي يسري [ ص: 110 ] في جنباته، ولا يقبل عند الله بغيره [1] ، كما قال الله تعالى: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) (البينة:5).

      فالذي تصدق بصدقته في الليل، فوضعها مرة في يد سارق، ومرة في يد زانية، ومـرة في يـد غـنـي، وهـو في كل مرة يحمـد الله، ويعاود الكرة، ثـم ظن أن صدقته قد ذهبت هباء، فؤتي في منامه، فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما صدقتك على زانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر، فينفق مما أعطاه الله.. فشفـعت له النية، وجـبرت بعض ما قـصر فيه، إذ عـلـم الله صدقـه، وأنه لم يرد أن يتصـدق على الملأ في وضح النهار.

      وقصة هذا الرجل أوردها البخاري في صحيحه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال رجل: لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية؟ لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق [ ص: 111 ] فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله ) [2] .

      فيه دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير، ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة، وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته، ولو لم تنفع الموقع، واختلف الفقهاء في الإجـزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحـديث على الإجزاء ولا على المنع، ومن ثم أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم، فإن قيل إن الخبر إنما تضمن قصة خاصة وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة، فمن أين يقع تعميم الحكم؟ فالجواب أن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم، فيقتضي ارتباط القبول بهذه الأسباب.. وفيه فضل صدقة السر، وفضل الإخلاص، واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع، وأن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه [3] .

      وفيه ثبوت الثواب في الصدقة وإن كان الآخذ فاسقا وغنيا، ففي كل كبد أجر، وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة فلا يجزي دفعها إلى غني [4] .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية