الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - الارتقاء بالعمل الاجتماعي التطوعي ودور الشباب والمرأة:

      سأتناول في هذه النقطة دور الشباب والمرأة في الارتقاء والتطوير لمجالات العمل الاجتماعي التطوعي.

      - أولا: دور الشباب في الارتقاء بالعمل الاجتماعي التطوعي:

      يعتبر العمل الاجتماعي التطوعي من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات، في عصرنا الحالي، ويكتسب العمل الاجتماعي أهمية متزايدة يوما بعد يوم، فهناك قاعدة مسلم بها مفادها أن الحكومات، سواء في البلدان المتقدمة أو النامية، لم تعد قادرة على سد احتياجات أفرادها ومجتمعاتها، فمع تزايد الظروف الحياتية ازدادت الاحتياجات الاجتماعية، وأصبحت في تغير مستمر، ولذلك كان لابد من وجود جهة أخرى موازية للجهات الحكومية تكمل الدور، الذي تقوم به الجهات الحكومية في تلبية الاحتياجات الاجتماعية.

      ويطلـق على هـذه الجهة المـنـظمات الأهـليـة، وفي أحيان كثيرة يعتبر دور المنظمات الأهلية دورا سباقا في معالجة بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

      وما يهمنا هو التطورات، التي حدثت في غايات وأهداف العمل الاجتماعي.. فبعد أن كان الهدف الأساسي هو تقديم الرعاية والخدمة للمجتمع وفئاته، أصبح الهدف الآن تغيير وتنمية المجتمع، وبالطبع يتوقف [ ص: 132 ] تـحقيـق الهـدف عـلى صـدق وجـدية العمل الاجتماعي، وعلى رغبة المجتمع في إحداث التغيير والتنمية.

      ويعتمد نجاح العمل الاجتماعي على عدة عوامل، من أهمها:

      المورد البشري، فكلما كان المورد البشري متحمسا للقضايا الاجتماعية ومدركا لأبعاد العمل كلما أتى العمـل الاجتماعي بنتائج إيجابية وحقيقية، كما أن العمل الاجتماعي يمثل فضاء رحبا يمارس من خلاله أفراد المجتمع ولاءهم وانتماءهم لمجتمعاتهم.. وانطلاقا من العلاقة التي تربط بين العمل الاجتماعي والمورد البشري، فإنه يمكن القول:

      إن عماد المورد البشري الممارس للعمل الاجتماعي هم الشباب، فحماس الشباب وانتماؤهم لمجتمعهم كفيلان بدعم ومساندة العمل الاجتماعي والرقي بمستواه، فضلا على أن العمل الاجتماعي سيراكم خبرات وقدرات ومهارات الشباب والتي سيكون بأمس الحاجة إليها، خاصة في مرحلة تكوينهم وممارستهم لحياتهم العملية.

      وعلى الرغم مما يتسم به العمل الاجتماعي من أهمية بالغة في تنمية المجتمعات وتنمية قدرات الأفراد، إلا أن نسـبـة ضئـيـلة جدا من الأفراد يتصـدون لممـارستـه، بالرغـم من أن الشباب يتمـتع بـمسـتـوى عال من الثقافة والفكر. [ ص: 133 ]

      وهذا مما يثير التساؤل عن الأسباب، التي تؤدي إلى عزوف الشباب عن المشاركة في العمل الاجتماعي؟

      سأحاول هنا تقديم بعض الأفكار، التي قد تساهم في الإجابة عن بعض الاستفسارات، وإعطاء صورة بسيطة عن واقع مشاركة الشباب في العمل الاجتماعي.

      ويمكن تعريف العمل الاجتماعي التطوعي بأنه: مساهمة الأفراد في أعمال الرعاية والتنمية الاجتماعية، سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل، أو بغير ذلك من أشكال المساهمة الاجتماعية، ومن خصائص العمل الاجتماعي أنه يقوم على تعاون الأفراد مع بعضهم في سبيل تلبية احتياجات مجتمعهم، وهذا يقود إلى نقطـة جوهرية مفادها أن العمل الاجتماعي يأتي بناء على فهم احتياجات المجتمع.

      وتجدر الإشارة إلى أن مساهمة الأفراد في العمل الاجتماعي تأتي بوصفهم إما موظفين أو متطوعين، وما يهمنا هو الوصف الثاني، فالتطوع هو الجهد الذي يقوم به الفرد باختياره لتقديم خدمة للمجتمع دون توقع لأجر مادي مقابل هذا الجهد، بل إنه يكتفي بما يبتغي من وراء ذلك العمل من أجر وثواب يحرزه عند الله تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) (الزلزلة:7).. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( رجل لقي ربه، فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلا ذا مال، فكنت أطالب به الناس فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور، فقال: تجاوزوا عن [ ص: 134 ] عبدي ) [1] . ويعضده أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر، أو يضع عنه ) [2] ... ينفس، أي يمد ويؤخر المطالبة، وقيل معناه يفرج عنه؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله عز وجل: تجوزوا عنه ) [3] .

      في هذا إشادة بفضل إنظار المعسر والوضع عنه، كل الدين وإما بعضه، من كثير أو قليل، وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء، سواء استوفى من موسر أو معسر، وفضل الوضع من الدين، وأنه لا يحتقر شيئا من أفعال الخير، فلعله سبب السعادة والرحمة [4] .

      وبشكل عام، يمكن أن نصف المتطوع بأنه إنسان يؤمن بقضية معينة، واقعي ومتعايش مع ظروف مجتمعه، له القدرة على الاندماج والتفاعل مع أفراد مجتمعه، ومستعد لتقديم يد المساعدة لرعاية وتنمية مجتمعه.. عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صل الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: "يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين [ ص: 135 ] أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم ) [5] .

      فالشباب لا بد أن يستغل فرصة الحماس والحيوية، التي يتمتع بها، ويوظفها في العمل من أجل مساعدة مجتمعه أو مساعدة الإنسان ـ أي إنسان ـ مـتى كانت له حـاجة في المساعـدة.. وليغـتنم النعم، التي أعطاه الله سبحانه وتعالى، ففي الحديث: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ) [6] .

      ومعنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك فهو المغبون، وأشار بقوله: ( كثير من الناس ) إلى أن الذي يوفق لذلك قليل، قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبـون، وتمام ذلك أن الدنيـا مزرعـة للآخـرة وفيها التجارة، التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم كما يقال.. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف [ ص: 136 ] مثلا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق والحذق لئلا يغبن، فالصحة والفراغ رأس المال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس، ليربح خيري الدنيا والآخرة.. وقوله في الحديث: ( مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ) كقوله تعالى: ( وقليل من عبادي الشكور ) (سبـأ:13)، فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية [7] .

      وعن أبي هريرة، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل ) [8] ؛ ذلك أن الصدقة نتاج العمل، وأحوج ما يكون الناتج إلى التربية إذا كان فطيما، فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل ابن آدم، لا سيما الصدقة، فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل.. هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا عنه، فكنى عن قبول الصدقة باليمين، وعن تضعيف أجرها بالتربية.. ولما كان الشيء الذي يرتضى يتلقى باليمين ويؤخذ بها، استعمل في مثل هذا واستعير للقبول.. وقيل: المراد الذي تدفع إليه الصدقة، [ ص: 137 ] وأضافها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة في اليمين الآخذ لله تعالى، وقيل سرعة القبول [9] .

      - المشاركة في تحديد الأولويات:

      يوفر العمل التطوعي للشباب فرصة المساهمة والمشاركة في تحديد الأولويات، التي يحتاجها المجتمع والمشاركة في اتخاذ القرارات.

      ويتصف العمل التطوعي بأنه تلقائي، ولكن نظرا لأهمية النتائج المترتبة عنه والتي تنعكس بشكل إيجابي على المجتمع وأفراده، فإنه يجب أن يكون هذا العمل منظما ليحقق النتائج المرجوة منه، وإلا ستنجم عنه آثار عكسية.. وعادة ما ينظم العمل الاجتماعي بالأطر التالية:

      1- القوانين: وهي مجموعة القوانين، التي تنظم العمل الاجتماعي وتحدد قطاعاته، كما تنظم إنشاء وعمل المؤسسات الأهلية العاملة في المجال الاجتماعي التطوعي.

      2- الإطار الاجتماعي، فكما سبق وأشرنا بأن العمل الاجتماعي التطوعي يأتي استجابة لحاجة اجتماعية، فهو واقعي ومعبر عن الحس الاجتماعي، وبالرغم من أن انفتاح المجتمعات يؤدي إلى اتساع الخيارات أمام العمل الاجتماعي إلا أن هناك حدا أدنى من التغيرات الاجتماعية، التي يهدف العمل التطوعي إلى إحداثها. [ ص: 138 ]

      ولكن ما هي المعوقات الحقيقية، التي تعترض مشاركة الشباب في العمل الاجتماعي؟

      1- الظروف الاقتصادية السائدة وضعف الموارد المالية للمنظمات التطوعية.

      2- ضعف الوعي بمفهوم وفوائد المشاركة في العمل الاجتماعي.

      3- قلة التعريف بالبرامج والنشاطات التطوعية، التي تنفذها المؤسسات الحكومية والأهلية.

      4- قلة البرامج التدريبية الخاصة بتكوين جيل جديد من المتطوعين.

      5- قلة تشجيع العمل التطوعي.

      فإذا كان التطوع يقوم بصفة أساسية على الرغبة والدافع الذاتي من أفراد المجتمع بصورة فردية، أو جماعية، فأين تكمن أهمية العمل الاجتماعي في حياة المتطوع نفسه أولا وفي حياة المجتمع ثانيا؟ وما هي أهم سبل تحفيز الشباب على العمل التطوعي؟

      - أهمية العمل الاجتماعي:

      1- أهمية العمل الاجتماعي في حياة المتطوع:

      - فيه إشباع للرغبات وتحقيق للذات وشغل الفراغ برد الجميل للمجتمع.

      - فيه فتح باب للتعود على الاحتساب والأجر من عند الله عز وجل.

      - يجعل المتطـوع يشـعر بالسـعادة لمشـاركته من حوله وتخفيف معاناتهم في السراء والضراء. [ ص: 139 ]

      - يتيح الفرصة لتبادل الخبرات الكثيرة والمفيدة من خلال الاحتكاك بزملائه.

      - ينمي القدرات الذهنية لدى المتطوع ويعمل على إرساء قاعدة متينة متمثلة في السلوك الحميد في المجتمع.

      - يعزز الثقة بالنفس والقدرة على تحمل المسؤوليات الاجتماعية ومواجهة المشكلات بشكل مباشر.

      2- أهمية العمل الاجتماعي في حياة المجتمع:

      - يدعم العمل الحكومي ويرفع مستوى الخدمة الاجتماعية.

      - يعد ظاهرة اجتماعية حميدة للدلالة على حيوية المجتمع وإيجابياته وتقدمه.

      - يعد مؤشرا جيدا للحكم على تقدم الشعوب ورقيها.

      - يشجع على الاستفادة من قدرات المتطوعين في أعمال تخدم المجتمع وتعود إليه بالنفع الكبير.

      - يسهم في تقليل حجم المشكلات الاجتماعية من خلال دعوة أفراد المجتمع للمشاركة في تأدية الخدمات بأنفسهم لصالح مجتمعهم.

      - سبل تحفيز الشباب على العمل التطوعي:

      - مفهوم التحفيز:

      هو كل قول أو فعل يدفع الإنسان إلى القيام بسلوك أفضل، أو يعمل على استمراره فيه. وأصل التحفيز وارد في القرآن الكريم والسنة النبوية من [ ص: 140 ] حيث الحث على القيام بالعمل إن كان خيرا، أو تركه إن كان شرا.. يقول الله تعالى: ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) ( آل عمران:133)، ويقول تعالى: ( لا يسخر قوم من قوم ) (الحـجرات:11).. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز... ) [10] ، ومعناه: احرص على طاعة الله والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى ولا تعجز، ولا تكسل في طلب الطاعة ولا عن طلب الإعانة [11] .

      أما التحفيز من حيث الثناء على العمل إن كان خيرا، أو ذمه إن كان شـرا، فقـد قـال الله تعـالى: ( لا يسخر قوم من قوم ) (ص:30)، ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي ) (البقرة:271).

      وهناك العديد من الثمرات، التي يمكن جنيها من تحفيز الشباب على العمل التطوعي، منها على سبيل المثال:

      - أنه ينمي لدى الشباب التفكير الإبداعي في تحقيق الاحتياجات.

      - يساعد على الحلول الابتكارية للمشكلات، التي تواجههم.

      - بناء الشعور بالاحترام والتقدير بلا إطراء، ولا الثناء على ما أنجزوه من أعمال تطوعية.

      - العمل على غرس ثقافة التطوع في أذهانهم، وكيفية إنجاز الأعمال بأنفسهم وتشجيعهم على ذلك. [ ص: 141 ]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية