الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - ثانيا: تنمية الأسرة:

      حث النبي صل الله عليه وسلم على الإنفاق على الأسرة، وعده من الصدقة: ( نفقة الرجل على أهله صدقة ) [1] ، يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب، ويحتمل أن يختص بالزوجة ويلحق به من عداها بطريق الأولى؛ لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولى، وقال بعض العلماء: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده، ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة، بل هي أفضل من صدقة التطوع، وقال آخر: النفقة على الأهل واجبة، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع [2] .

      وهناك من قال: إن تسمية النفقة صدقة من جنس تسمية الصداق نحلة، فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها ـ في اللذة والتأنيس والتحصين وطلب الولد ـ كأن الأصل أن لا يجب لها عليه شيء، إلا أن الله خص الرجل [ ص: 96 ] بالفضل على المرأة، بالقيام عليها، ورفعه عليها بذلك درجة، فمن ثم جاز إطلاق النحلة على الصداق، والصدقة على النفقة [3] .

      فالأسرة عماد المجتمع، وترابطها وصلاحها صلاح المجتمع، فالعناية بالأسرة ركن أساسي في مسيرة العمل الخيري، فالعمل لمساعدة الأسرة الفقيرة يجب أن يكون من خلال تأهيلها وتنميتها بالبحث عن عناصر الإنتاج المحلية المتوافرة في محيط الأسرة وبيئتها، وتنمية تلك العناصر، وتحويلها إلى آلة إنتاج، من خلال التدريب وتوفير وتمليك وسائل وأدوات الإنتاج القادرة على تحويل تلك الأسرة من أسرة معالة محتاجة إلى أسرة منتجة، قادرة على العطاء، بالدخول إلى دورة الاقتصاد القومي، لتتمكن من المساهمة في اقتصاد الدولة والمجتمع، بشراء وبيع السلع والخدمات.

      ولا بد من التأكيد أن الأسرة لا تحتاج فقط إلى عناصر الإنتاج والتدريب بقدر ما هي بحاجة إلى التوجيه والإرشاد، بحيث تستطيع الأسرة التكيف وتطوير إمكاناتها وقدرتها في إدارة شؤونها الأسرية الخاصة، كالعناية بالأفراد، وبخاصة الأطفال والشباب، من النواحي التربوية والتعليمية والصحية، وإدارة آلة الإنتاج، التي تم توفيرها لها، وحسن التصرف بالعائد، وأساليب إنفاقه السليمة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من البرامج والدورات التأهيلية والتدريبية والزيارات الإرشادية الدورية للباحثات الاجتماعيات.. فما هو إذن الدور، الذي يمكن أن يساهم به العمل الخيري في تنمية المجتمعات؟ [ ص: 97 ]

      لاشك أن هناك علاقة جدلية بين التنمية ومدى نجاحها في المجتمع والعمل التطوعي، حيث تشير الشواهد الواقعية والتاريخية إلى أن التنمية تنبع من الإنسان، الذي يعتبر وسيلتها الأساسية، كما أنها تهدف في الوقت ذاته إلى الارتقاء به في جميع الميادين، الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، ومن المسلمات أن التنمية تقوم على الجهد البشري، وهو ما يستلزم، بالإضافة إلى الخطط الواضـحة والمحددة، وجود الإنسـان الواعـي القادر على المشـاركة في عمليات التنمية.

      ومن هنا يأتي دور العمل الخيري في التنمية، بالاستفادة من الموارد البشرية، حيث يضطلع العمل الخيري بدور إيجابي في إقامة الفرص لكافة أفراد المجتمع، للمساهمة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي اللازمة في كل زمان ومكان، ويساعد العمل التطوعي على تنمية الإحساس بالمسؤولية لدى المشاركين، ويشعرهم بقدرتهم على العطاء وتقديم الخبرة والنصيحة في المجال، الذي يتميزون فيه.

      إن محاولة الفهم لأهمية العمل الخيري ودوره في تنمية المجتمع، تقودنا إلى محاولة فهم بعض مما تدعو له النظريات الاقتصادية الحديثة، إذ يمكننا من خلال ذلك فهم دور وأهمية العمل الخيري، حيث تفترض النظريات الاقتصادية أن الهدف يجب أن يكون زيادة الإنتاج من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة والتي تشمل الأرض والقوى العاملة ورأس المال والتنظيم والاستثمار، وهي الأساس لإنتاج أية سلعة أو خدمة في أي نظام اقتصادي، [ ص: 98 ] ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال تحديد الأولويات وإعداد قائمة بالسلع والخدمات الأكثر أهمـية والتـي لا يمـكن الاستغـناء عنها، وهذا يتطلب تخفيض تكاليف الإنتاج.

      - الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة:

      إن العمل التطوعي يساهم بشكل مباشر في تحقيق تلك الأهداف، فهو يساهم بتخفيض تكاليف الإنتاج، ويساعد على تحقيق الهدف المنشود، وهو زيادة الإنتاج، ومع تزايد الحاجات من سلع وخدمات من قبل أفراد المجتمع، وصعوبة الحصول عليها في كثير من الأحيان، فإنه يصبح من الأهمية بمكان الاعتماد على جهود المتطـوعين لتوفير جزء من هذه الاحتياجات، ولا يخفى أن هناك طاقات مهدورة وغير مستخدمة في كثير من المجتمعات، لذلك فإن العمل الخيري يجمع هذه الطاقات ويسخرها لخدمة البناء والتنمية الاقتصادية، من خلال المؤسسات والمنظمات والهيئات الخيرية.. وحتى يكتمل مفهوم العمل التطوعي لا بد من الحث عليه من جميع الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة، وخلق المناخ الملائم لتشجيع كل الأفراد للعطاء والإبداع، وهذا يتطلب تخصيص إدارة عامة متخصصة لتحديد المجالات، التي يمكن من خلالها التطوع وخلق الحوافز المادية والمعنوية لرفع نسبة المتطوعين في شتى المجالات.

      إن أغلب الدول المتقدمة تولي أهمية خاصة لهذه العلاقة الوثيقة بين العمل التطوعي والقدرة على زيادة فعالية الموارد الاقتصادية، لهذا فإنه يتم الاعتماد بشكل متزايد على العمل التطوعي، من خلال استحداث قسم في أغلب [ ص: 99 ] المؤسسات والمنظمات، يسعى إلى جذب الكفاءات المتعددة لتساهم بأوقات محددة بشكل تطوعي، والاستفادة من خبراتهم خلال أوقات فراغهم، وهناك العديد من المجالات والأنشطة، التي يمكن للمتطوعين المساهمة فيها، مما يزيد من معدل الرفاهية للجميع.

      ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التاريخ الإسلامي، تطبيقا لما أشرنا إليه من نصوص عقائدية كثيرة وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية - (تم ذكر العديد من الآيات والأحاديث التي تحث على فعل الخير، في المبحث الأول من هذا الفصل) - حافل بمثل تلك المفاهيم، فالأنصار والمهاجرون أعظم تطبيقات التكافل الاجتماعي القائم على العمل التطوعي والخيري، وحتى كتاب الوحي، الذين كانوا يمارسون دورهم في توثيق آيات القرآن الكريم، الذي يمثل أهم ركن في العقيدة الإسلامية، فهو منهاج حياتهم ودستور دولتهم، وكذلك كان بناء المسجد النبوي الشريف وحفر الخندق، وغيرها من الأعمال التطوعية، التي كان يتسابق لها المسلمون، فالتعليم وكفالة اليتيم ورعاية الأرملة والعجوز ورعاية طالب العلم وسقيا الماء، وما كان يندب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم كشراء بئر ماء، احتاج المسلمون إليه، منعه عنهم صاحبه.. وغيرها كثير.

      ومما سبق، فإن المجالات والأنشطة، التي يمكن للعمل الخيري أن يسهم من خلالها في تنمية المجتمع، وخاصة تلك القائمة على إسهامات ومشاركات الأفراد، كثيرة ومتعددة..

      التالي السابق


      الخدمات العلمية