الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها : الفطر في الصيام يجوز بغلبة ظن غروب الشمس في ظاهر المذهب ، ومن الأصحاب من قال لا يجوز الفطر إلا مع تيقن الغروب وبه جزم صاحب التلخيص ، والأول أصح ; لأن الوقت عليه أمارات تعرف بها فاكتفي فيها بالظن الغالب ، بخلاف ما لا أمارة عليه من إتمام الصلاة والطهارة والحدث ونحوها ، وأيضا فالصلاة والطهارة ونحوهما كل منهما عبادة فعليه مطلوبة الوجود إذا شك في فعل شيء منها فالأصل عدمه فلا يخرج من عهدته إلا بيقين ، والصوم عبادة وكف عن محظورات خاصة ، فمتى لم يتيقن وقوع محظوراتها في وقتها لم يحكم ببطلانها ، وإنما منع من الخروج منها بمجرد الشك المساوي ; لأن الأصل بقاء الصوم ولم يترجح ظن يعارضه ، فإذا ترجح الظن عمل به ولم يحكم ببطلانه بوقوع محظوراته حينئذ لا سيما وفعل محظوراته مع ترجيح ظن انقضائه مطلوب شرعا على الأظهر ولهذا جاز الأكل أو استحب مع ظن طلوع الفجر حتى يتيقن طلوعه كما سبق ، والفرق بينه وبين وقت الصلاة من وجهين :

أحدهما ; أن الصلاة يجوز فعلها مع غلبة ظن دخول وقتها ولا يجب ، وكذلك الصيام يجوز الإمساك بنية الصوم مع غلبة ظن ولا يجب فهما سواء : والثاني : أن الصلاة عبادة فعليه لا تستغرق مجموع وقتها بل تفعل في جزء منه ، فإذا فعلت في زمن يغلب على الظن أنه من وقتها كفى ، والصوم عبادة تستغرق زمنها وهي من باب الكف والترك لا من باب الأعمال ، فيكفي اشتراط الكف عن محظوراتها في زمانها المحقق دون المشكوك فيه ، ولا يبطل بفعل شيء من محظوراتها في زمن لا يتحقق أنه وقت الصيام ، إلا أن يكون الأصل بقاء وقت الصيام ولم يغلب على الظن خروجه فلا يباح حينئذ الإقدام على الإفطار ولا تبرأ الذمة بمجرد ذلك ، وهذا كما قلنا فيمن صلى ثم رأى عليه نجاسة يمكن أنها لحقته بعد الصلاة سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية