[ ص: 35 ]
الكلام في تفسير البسملة
روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مفتاح القرآن التسمية".
وقال -رضي الله عنهما- "إجلال القرآن: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومفتاح القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم". ابن عباس
وروي أن بسم الله الرحمن الرحيم. أول ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ:
وروي أن رجلا قال بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعس الشيطان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقل ذلك، فإنه يتعاظم عنده، ولكن قل: بسم الله الرحمن الرحيم; فإنه يصغر حتى يصير أقل من ذباب".
وقوله: بسم الله الباء في محل نصب; لأنها في موضع [ ص: 36 ] مفعول به، تقديره: أبدأ بسم الله، أو: بدأت بسم الله، أو في محل رفع; لأنها في موضع خبر الابتداء، تقديره: مفتاح كلامي بسم الله، وكسرت باء الجر ليناسب لفظها عملها، وحذفت الألف من بسم الله في الخط; طلبا للخفة; لكثرة استعمالها، وطولت الباء ليكون افتتاح كتاب الله بحرف معظم.
والاسم: هو المسمى وعينه وذاته، وقيل: الاسم غير المسمى، وإنما هو يدل على المسمى، وهو مشتق من السمو، وهو العلو.
والله: هو اسم تفرد به الباري سبحانه، قال تعالى: هل تعلم له سميا [مريم: 65] ، وهو اسم الله الأعظم، ومعناه: السيد.
واختلف في اشتقاقه، فقال جماعة من العلماء: هو غير مشتق; كأسماء الأعلام للعباد مثل زيد وعمرو.
وقال آخرون: هو مشتق من أله إلاهة; أي عبد عبادة، معناه: أنه المستحق للعبادة دون غيره.
الرحمن صفة مبالغة من الرحمة، معناها: أنه انتهى إلى غاية الرحمة، وهي صفة تختص بالله، ولا تطلق على البشر.
الرحيم عظيم الرحمة، والرحمة إرادة الخير لأهله، وأصلها الرقة والتعطف.
واختلف العلماء والقراء فيها، فقيل: هي آية من الفاتحة فقط، وهو مذهب أهل مكة، والكوفة، ومن وافقهم.
وقيل: آية من الفاتحة، ومن أول كل سورة سوى براءة، وهو الصحيح من مذهب الإمام ومن وافقه، فيجهر بها في صلاة الجهر. [ ص: 37 ] الشافعي
وقيل: آية فاصلة بين كل سورتين سوى براءة، فيكره ابتداؤها بها، وهو مذهب الإمامين أبي حنيفة، ومن وافقهما، فتقرأ سرا في صلاة الجهر. وأحمد بن حنبل،
وقيل: ليست بآية، ولا بعض آية من الفاتحة، ولا من غيرها، وإنما كتبت للتيمن والتبرك، وهو مذهب الإمام ومن وافقه، ونقل جماعة عن مالك، كمذهب أبي حنيفة وعند مالك، تكره قراءتها في صلاة الفرض، مع إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل، وأن بعضها آية من الفاتحة. وليست من القرآن أول براءة; لنزولها بالقتال الذي لا تناسبه البسملة المناسبة للرحمة والرفق. مالك
وأما مذاهب القراء فيها، فقد أجمع القراء على سواء وصلت بسورة الناس قبلها، أو ابتدئ بها، واختلفوا فيها. إثبات البسملة أول الفاتحة،
فأما ابن كثير، وعاصم، فإنهم يعتقدونها آية من الفاتحة، ومن كل سورة، وافقهم والكسائي، على الفاتحة فقط، وصح عن حمزة أنه قال: أشهد أنها من السبع المثاني، وأن الله أنزلها. نافع
وقيل: إن أبا عمرو، ومن تابع الثاني من قراء وقالون، المدينة لا يعتقدونها آية من الفاتحة، ولم يرض ابن الجزري هذا القول.
وأما فاختلف القراء في ذلك، ففصل بها بين كل سورتين إلا بين الأنفال وبراءة: الفصل بالبسملة بين كل سورتين، ابن كثير، وعاصم، والكسائي، وأبو جعفر، وقالون، والأصبهاني عن [ ص: 38 ] ورش.
ووصل بين كل سورتين: وكان يقول: القرآن عندي كسورة واحدة، فإذا قرأت: بسم الله الرحمن الرحيم في أول فاتحة الكتاب، أجزأني. حمزة،
قال ابن الجزري: كلام يحمل على حالة الوصل، لا الابتداء; لإجماع أهل النقل على ذلك، والله أعلم. حمزة
واختلف عن خلف في اختياره بين الوصل والسكت.
واختلف أيضا عن الباقين وهم: أبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب، من طريق وورش الأزرق بين الوصل والسكت والبسملة.
ثم إن الآخذين بالوصل لمن ذكر من أو حمزة، أو أبي عمرو، أو ابن عامر، أو يعقوب، اختار كثير منهم لهم السكت بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة، وكذا الآخذون بالسكت لمن ذكر من ورش، أبي عمرو، وابن عامر، ويعقوب اختار كثير منهم لهم البسملة في هذه الأربعة مواضع، وإنما اختاروا ذلك; لبشاعة وقوع مثل ذلك إذا قيل: وورش، وأهل المغفرة [المدثر: 56] لا [القيامة: 1]، أو وادخلي جنتي [الفجر: 30] لا [البلد: 1]، أو لله [الانفطار: 19] ويل [المطففين: 1]، أو وتواصوا بالصبر [العصر: 3] ويل [الهمزة: 1]، من غير فصل، ففصلوا بالبسملة للساكت، وبالسكت للواصل، ولم يمكنهم البسملة له; لأنه ثبت عنه النص بعدمها، فلو بسملوا، لصادموا النص بالاختيار، وذلك لا يجوز.
والأكثرون على عدم التفرقة بين الأربعة وغيرها، وهو اختيار المحققين. [ ص: 39 ]
والمشترط في السكت أن يكون من دون تنفس.
ولا خلاف فيحذفها بين الأنفال وبراءة، وكذلك في الابتداء ببراءة، وأما الابتداء بالآي وسط براءة، ففيه خلاف، ولا يجوز القطع عليها إذا وصلت بآخر السورة، ويجوز بين الأنفال وبراءة كل من الوصل والسكت والوقف لجميع القراء إذا لم يقطع على آخر الأنفال.
فالقطع: هو قطع القراءة رأسا، فهو كالانتهاء.
والوقف: هو قطع الصوت على الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة.
والسكت: هو قطع الصوت زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس، والله أعلم.
* * *