الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين .

[251] فهزموهم بإذن الله وكان من خبرهم أنهم لما برزوا للقتال، طلب طالوت داود -عليه السلام-، وكان أصغر بني أبيه، وكان عمره ثلاثين سنة، وأمره بمبارزة جالوت بعد أن رأى فيه العلائم التي يستدل بها على أنه هو الذي يقتل جالوت، وهي دهن كان يستدير على رأس من يكون فيه السر، وأحضر أيضا تنورا حديدا، وقال: الشخص الذي يقتل جالوت يكون ملء هذا التنور، فلما اعتبر داود ملأ التنور، واستدار الدهن على رأسه، فلما تحقق ذلك منه بالعلامة، أمره طالوت بمبارزة جالوت، فبارزه.

وقتل داود جالوت بثلاثة أحجار كانت في مخلاة، وهو متقلد بها، وأخذ مقلاعا بيده، وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التام، فلما نظر إلى داود، ألقي في قلبه الرعب، فقال له: أنت تبرز إلي؟ قال: نعم، قال: فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب؟ قال: نعم، أنت شر من الكلب، قال: لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء، قال داود: أو يقسم الله لحمك، فقال داود: باسم الله إله إبراهيم، وأخرج حجرا، ثم أخرج الثاني، فقال: باسم الله إله إسحق، ووضعه في مقلاعه، ثم أخرج الثالث وقال: باسم الله إله يعقوب، ووضعه في مقلاعه، فصارت كلها حجرا واحدا، ودور المقلاع ورمى به، فسخر الله له الريح حتى أصاب [ ص: 359 ] الحجر أنف البيضة، فخالط دماغه، وخرج من قفاه، وقتل من ورائه ثلاثين رجلا، وهزم الله الجيش، وخر جالوت قتيلا، فأخذه يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرح المسلمون فرحا شديدا، وانصرفوا إلى المدينة سالمين، ثم بعد ذلك مات أشموئيل وله اثنتان وخمسون سنة، فدفنه بنو إسرائيل في الليل، وناحوا عليه، وقبره بقرية ظاهر بيت المقدس من جهة الشمال على الطريق السالك إلى رملة فلسطين على رأس جبل، وهو مشهور، واسم القرية عند اليهود رامة، وأهل الإسلام يسمونها باسم النبي المشار إليه، وتزوج داود ابنة طالوت، وأحبه الناس، ومالوا إليه، فحسده طالوت، وقصد قتله مرة بعد أخرى، فهرب داود منه، وبقي داود متحرزا على نفسه، ثم ندم طالوت على ما كان منه من قصد قتل داود، وتاب إلى الله، ثم إن طالوت قصد الفلسطين للغزاة، وقاتلهم حتى قتل هو وأولاده، وانتقل الملك إلى داود -عليه السلام-.

وآتاه الله الملك والحكمة يعني: النبوة، ولم تجتمع السلطنة والنبوة لأحد قبل داود، بل كان الملك في سبط، والنبوة في سبط.

وعلمه مما يشاء من صنعة الدروع، فكان يصنعها ويبيعها، ولا يأكل إلا من عمل يده، ومنطق الطير والصوت الطيب والألحان، فلم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور، تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها، وتظله الطير، ويركد الماء الجاري، ويسكن الريح، وسيأتي ذكر داود -عليه السلام- ووفاته في أواخر سورة النساء -إن شاء الله [ ص: 360 ] تعالى-. قرأ أبو عمرو : (وقتل داود جالوت) بإدغام الدال في الجيم.

ولولا دفع الله أصل الدفع: صرف الشيء، والمعنى: لولا أن يصرف الله.

الناس بعضهم أي: المفسدين.

ببعض بالمؤمنين. قرأ نافع، وأبو جعفر، ويعقوب : (دفاع) بألف، والباقون: بغير ألف ; لأن الله تعالى لا يغالبه أحد، وهو الدافع وحده، ومن قرأ بالألف قال: قد يكون الدفاع من واحد، مثل قول العرب: أحسن الله عنك الدفاع.

لفسدت الأرض بقتل المسلمين، وظهور الفساد، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله -عز وجل- ليدفع بالمسلم الصالح عن مئة أهل بيت من جيرانه".

ولكن الله ذو فضل على العالمين . [ ص: 361 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية