الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين .

[65] ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت أي: جاوزوا الحد، وأصل السبت: القطع، وسمي بذلك يوم السبت، لأن الله تعالى قطع فيه الخلق، وقيل: لقطع أشغالهم فيه، وتعظيمه بترك العادات، والإتيان بالعبادات.

واختلف هل للقاضي أن يحضر اليهودي إلى مجلس الحكم في يوم السبت لسماع دعوى خصمه، وإلزامه بما يثبت عليه؟ فمذهب الشافعي : يحضر يوم السبت، ويكسر سبته عليه، وهو ظاهر عبارة الحنفية في كتبهم، لإطلاقهم أن القاضي يحكم بين أهل الذمة إذا ترافعوا إليه بحكم الإسلام.

واختلف في مذهب مالك في كراهة طلبه، فقيل: يكره طلبه وتمكين خصمه من ذلك، وقيل: يجوز من غير كراهة، واختار البساطي من علماء المالكية أنه يمنع المسلم من طلبه، إلا أن تقوم القرائن أن المسلم اضطر إلى ذلك، ولم يقصد ضررا. [ ص: 121 ]

وعند أحمد : ليس للقاضي إحضاره يوم السبت; لبقاء تحريمه عليه، وروى أحمد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا منه. "وأنتم يهود عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت"، ولهذا لا يكره امرأته على إفساده، مع تأكد حقه.

والقصة في السبت أنهم كانوا في زمان داود -عليه السلام- بأرض يقال لها: أيلة، حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، فكانوا إذا دخل عليهم السبت، لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك، حتى يخرجن خراطيمهن من الماء، لأمنها، حتى لا يرى الماء من كثرتها، فإذا مضى السبت، تفرقن، ولزمن مقل البحر، فلا يرى شيء منها، فذلك قوله تعالى: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم [الأعراف: 163]، ثم إن الشيطان وسوس إليهم، وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فعمد رجال فحفروا الحياض حول البحر، وشرعوا منه إليها الأنهار، فإذا كانت عشية الجمعة، فتحوا تلك الأنهار، فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض يوم السبت، فلا يقدرون على الخروج، لبعد عمقها، وقلة مائها، فإذا كان يوم الأحد، أخذوها، ففعلوا ذلك زمانا، ولم تنزل عليهم عقوبة، فتجرؤوا على الذنب، وقالوا: ما نرى السبت إلا قد حل لنا، فأخذوا وأكلوا، وملحوا وباعوا، وأثروا، وكثر مالهم، فلما فعلوا ذلك، صار أهل القرية -وكانوا نحوا من سبعين ألفا- ثلاثة أصناف: صنف أمسك [ ص: 122 ] ونهى، وصنف أمسك ولم ينه، وصنف انتهك الحرمة، فلما أبى المجرمون قبول نصحهم، قالوا: والله لا نساكنكم في قرية واحدة، فقسموا القرية بجدار، واستمروا كذلك سنين، فلعنهم داود، وغضب الله عليهم; لإصرارهم على المعصية، فخرج الناهون ذات يوم من بابهم، ولم يخرج من المجرمين أحد، ولم يفتحوا بابهم، فلما أبطؤوا، تسوروا عليهم الحائط، فإذا هم جميعا قردة لها أذناب يتعاوون، فمكثوا ثلاثة أيام، ثم هلكوا، ولم يتوالدوا، قال الله تعالى:

فقلنا لهم كونوا أمر تحويل وتكوين; أي: صيروا.

قردة خاسئين مبعدين مطرودين، والخساء: الطرد والإبعاد. قرأ الكسائي (قردة) بإمالة الدال حيث وقف على هاء التأنيث.

التالي السابق


الخدمات العلمية