الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . [ ص: 304 ]

[217] يسألونك عن الشهر الحرام يعني: رجبا، سمي بذلك لتحريم القتال فيه.

قتال فيه قل يا محمد.

قتال فيه كبير عظيم، تم الكلام هاهنا، ثم ابتدأه فقال:

وصد عن سبيل الله أي: وصدكم المسلمين عن الإسلام.

وكفر به أي: بالله.

والمسجد الحرام أي: مكة، عطف على سبيل الله.

وإخراج أهله أي: أهل المسجد.

منه وهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون.

أكبر عند الله أعظم وزرا من القتال في الشهر الحرام.

والفتنة أي: الشرك.

أكبر من القتل أي: من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فلما نزلت أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العير، فعزل منه الخمس، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، وكانت أول غنيمة في الإسلام، وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم، فقال: بل نقفهم حتى يقدم سعد وعتبة، فإن لم يقدما، قتلناهما بهما، فلما قدما، فاداهم، فأما الحكم بن كيسان، فأسلم وأقام مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبد الله، فرجع إلى مكة، فمات بها كافرا، وأما نوفل، فضرب بطن فرسه يوم [ ص: 305 ] الأحزاب ليدخل الخندق، فوقع في الخندق مع فرسه، فتحطما جميعا، وقتله الله، فطلب المشركون جيفته بالثمن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوه; فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية"، قال الله تعالى:

ولا يزالون أي: الكفار.

يقاتلونكم أيها المؤمنون.

حتى أي: كي.

يردوكم أي: يصرفوكم.

عن دينكم إن استطاعوا قدروا، ثم تهددهم بقوله:

ومن يرتدد أي: يرجع.

منكم عن دينه إلى دينهم.

فيمت عطف على يرتدد .

وهو كافر أي: مرتدا و (من) رفع ابتداء، خبره:

فأولئك حبطت أعمالهم أي: بطلت حسناتهم.

في الدنيا والآخرة لأن عباداتهم لم تصح في الدنيا، فلم يجازوا عليها في الأخرى.

وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون في هذا دليل للشافعي [ ص: 306 ] وأحمد أن الردة لا تحبط العمل حتى يموت مرتدا، وأبو حنيفة ومالك يبطلانه بالردة، وإن رجع مسلما.

واختلفوا في حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه - والعياذ بالله -، فقال أبو حنيفة : يجب قتله في الحال، ولكن يستحب أن يحبس ثلاثة أيام، ويعرض عليه الإسلام، وتكشف شبهته، فإن أسلم، وإلا قتل، ويكره القتل قبل العرض.

وقال مالك وأحمد : يجب أن يستتاب ثلاثا، فإن تاب، وإلا قتل.

وقال الشافعي : تجب استتابته في الحال، فإن أصر، قتل، وإن أسلم، صح وترك.

واختلفوا في المرأة إذا ارتدت، فقال أبو حنيفة : تحبس وتخرج في كل أيام، ويعرض عليها الإسلام، وتضرب حتى تسلم، ولا تقتل.

وعند الثلاثة: حكمها كالرجل في الاستتابة والقتل.

ولما أنزلت الآية، قال أصحاب السرية: يا رسول الله! أنؤجر على فعلنا هذا؟ فأنزل الله تعالى:

التالي السابق


الخدمات العلمية