[ ص: 20 ] فصل في ذكر شكل القرآن ونقطه
قد تقدم أن المصاحف العثمانية كانت مجردة من النقط والشكل، فلم يكن فيها إعراب، وسبب ترك الإعراب فيها -والله أعلم-: استغناؤهم عنه; فإن القوم كانوا عربا لا يعرفون اللحن، ولم يكن في زمنهم نحو.
وأول من وضع النحو، وجعل الإعراب في المصاحف: التابعي البصري، حكي أنه سمع قارئا يقرأ: أبو الأسود الدؤلي أن الله بريء من المشركين ورسوله [التوبة: 3] بكسر اللام، فأعظمه ذلك، وقال: عز وجه الله أن يبرأ من رسوله. ثم جعل الإعراب في المصاحف، وكانت علاماته نقطا بصبغ لونه غير لون المداد، وهو الحمرة; فكانت علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وعلامة الضمة نقطة في نفس الحرف، وعلامة الكسرة نقطة تحت الحرف، وعلامة الغنة نقطتان. [ ص: 21 ]
ثم أحدث بعد هذا هذه الصور: الشدة، والمدة، والهمزة، وعلامة السكون، وعلامة الوصل، ونقل الإعراب من صورة النقط إلى ما هو عليه الآن. الخليل بن أحمد الفراهيدي
وأما النقط: فأول من وضعها بالمصحف نصر بن عاصم الليثي بأمر أمير الحجاج بن يوسف العراق وخراسان، وسببه: أن الناس كانوا يقرؤون في مصحف نيفا وأربعين سنة إلى أيام عثمان ثم كثر التصحيف، وانتشر عبد الملك بن مروان، بالعراق، فأمر أن يضعوا لهذه الأحرف المشتبهة علامات، فقام بذلك نصر المذكور; فوضع النقط أفرادا وأزواجا، وخالف بين أماكنها، وكان يقال له: نصر الحروف. الحجاج:
وقالوا: لا بأس به، هو نور له، ثم أحدثوا نقطا عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم. وأول ما أحدثوا النقط على الياء والتاء،
هو السابق إلى إعرابه، والمبتدئ به، ثم فأبو الأسود الدؤلي نصر بن عاصم وضع النقط بعده، ثم نقل الإعراب إلى هذه الصور. الخليل بن أحمد
وكان مع استعمال النقط والشكل، يقع التصحيف، فالتمسوا حيلة، فلم يقدروا فيها إلا على الأخذ من أفواه الرجال بالتلقين; فانتدب جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، وبالغوا في الاجتهاد، وجمعوا الحروف والقراءات، حتى بينوا الصواب، وأزالوا الإشكال -رضي الله عنهم-.
* * *