الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا اختلفا في النقد قبل المحاكمة في العيب إن كان مما يحكم به في الحال لم يلزمه النقد حتى يتعين بإخراج الأرش ، وإلا نقد لتعين وقت النقد دون العيب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                إذا تنازعا فقدم البائع لأجل عن العيب صدق البائع في التقويم ; لأنه يدعي عليهما الرد وأرش العيب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : العلة في الرد بالعيب للمشتري ، قال الطرطوشي : الزوائد الحادثة في يد المشتري لا تمنع الرد بالعيب كالسمن ، وولادة الأمة ، ومهرها ، ونتاج الماشية ، واللبن ، والصوف ، وخراج العبد ، وتمر النخل ، والشجر ، يكون له ذلك مجانا إلا الولد والسمن يردهما مع الأصل ، وقاله ( ش ) وابن حنبل وزادا : لا يرد الولد ; لأنه غلة ، وقال ( ح ) : الزوائد تمنع الرد بالعيب ، ونقض أصله بالغلة والكسب . وحدوث الزوائد قبل القبض ، وهلاكها في يد المشتري بعد حدوثها . لنا القياس على هذه النصوص ، ولأن الفسخ لا يتناول إلا ما تناوله العقد ، ولم يتناول العقد الزوائد ، بل استفادها المشتري بملك فلا يتناولها حكم الفسخ كما لا يتناولها حكم البيع إذا حدثت عند البائع ، ولما في أبي داود : أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ما شاء الله ثم [ ص: 76 ] وجد به عيبا فرده ، فقال : يا رسول الله إنه استغل غلامي ، فقال عليه السلام : ( الخراج بالضمان ) وأما السمن ونحوه فتبع للسمن في الفسخ كما يتبعها في العقد ، احتج بأنها ناشئة عن عين المبيع فلا يرده بالسمن ، ولأنه لو وقع الفسخ عليها لزم خلافه الإجماع ، ولأن العقد لم يتناولها فلا يتناولها الفسخ ، ولو وقع على الأصل فقط لا يملك الزوائد من موجب العقد ، ولا يمكن رفع العقد مع بقاء موجبه .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن السمن متصل بلحم المبيع لا بمن نزعه ، وعن الثاني : أن الفسخ وقع في الأم والزوائد بموجب الملك لا بموجب العقد ، كما يبقى للبائع تبقى للمشتري .

                                                                                                                احتج ( ش ) وابن حنبل على رد الولد بأن الخراج بالضمان ، والولد خراج ، وبالقياس على الثمرة .

                                                                                                                والجواب عن الأول : لا نسلم أن الولد يسمى خراجا ، بل هو كالعضو يتبع الأبوين في العقود كالكتابة والتدبير وغيرهما ، والاكتساب لا يتبع ، وعن الثاني : أن الولد على خلق أمه فيتبعها في العقود والفسوخ ، بخلاف الثمرة .

                                                                                                                تفريع : قال اللخمي : الخراج بالضمان إذا كان المبيع لا غلة فيه يوم البيع ولا يوم الرد ، واعتل فيما بين ذلك فإن اشترى شاة لا صوف عليها ثم حدث فجزه ثم وجد عيبا رد ، وكان له ما جزه وقت جزازه أو قبله ، فإن قام بالعيب قبل الجزاز فهو يكون غلة بالتمام أو بالغل أو بالجز قياسا على الثمار ، هل يكون غلة بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ ؟ وإن كان الصوف تاما عند العقد ، قال ابن القاسم : يرد ; لأنه مبيع أو مثله إن كان فائتا ، وقال أشهب : هو له ; لأنه غلة ، والأول أحسن ويخير بين غرم مثله أو قيمته ; لأنه قريب ، فإن عاد [ ص: 77 ] صوف آخر جبر الصوف بالصوف ، وهو ليس من جبر العين بالولد ، والولد ليس بغلة ، ولا يغرم ما حلب إذا لم تكن مصراة عند البيع ، وإن كانت مصراة عند الرد له حلبه ; لأن الحلب كالجذاذ والجز ، وإن اشتراها بثمرة مأبورة قال ابن القاسم : يردها وإن جذت ، أو مكيلتها إن فاتت ، أو القيمة إن جهلت لأنها مبيعة ، قال : وأرى أن تمضي بما ينوبها من الثمن ; لأنها مبيعة تمت وانتقلت في ضمان المشتري ، وكذلك إذا طابت ولم تجذ ، وإن كانت غير مأبورة فتمت لم يكن لها قسط من الثمن ، وخالف أشهب ، وفي المقدمات : إذا اشتراها ولا ثمرة فيها فيجدها معيبة قبل حدوث ثمرة فله ردها ، ولا يرجع بسقي ولا علاج ; لأنه أنفق لنفسه ، وقيل : يرجع على مذهب ابن القاسم ; لأنه غير متبرع وينبغي أن تجري على اختلاف قوله في الرد بالعيب هل هو نقض للبيع أو ابتداء بيع ؟ فإن حتى كان ثمرا فوجد العيب مثل الثاني فله الرجوع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم وأشهب خلافا لسحنون وعبد الملك ، فإن جذ الثمرة في هذه الحالة فكجذاذه قبل الإبار ، وفي الوقت الذي تكون الثمرة غلة للمبتاع في الرد بالعيب والبيع الفاسد والاستحقاق أربعة أقوال : الإبار ; لأنها قد صارت فعلا به في حالة تكون للبائع في البيع ، وبالطيب ; لأنه وقت البيع مفردة دون الأصول ، وكالجذاذ ; لأنها قبل الجذاذ حاصلة في الأصول ، تبع لها فتتبع الأصول كغير المؤبر ، فإن اشتراها بثمرة ولم تؤبر فوجد العيب قبل التأبير ، قال ابن القاسم وأشهب : يردها ويرجع بالسقي والعلاج ; لأنه غير متبرع بل أنفق على ثمن الملك وقد فات ، وفي ( المدونة ) ما يقتضي عدم الرجوع ، فإن جذ الثمرة قبل القيام بالعيب كان نقضا يوجب الخيار بين الرد ويرد ما نقص أو الإمساك والرجوع [ ص: 78 ] بقيمة العيب ، فإن اشتراها بثمرة لم تؤبر فوجد العيب بعد التأبير فكالمشتري بغير ثمرة يجد العيب بعد كما تقدم ، فإن اشتراها بثمرة لم تؤبر فوجد العيب وقد طابت فكالمشتري بغير ثمرة ثم يجد العيب عند الطيب كما تقدم ، فإن اشتراها بثمرة مأبورة فوجد العيب قبل الطيب ردها بثمرها عند الجميع ، ويرجع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم وأشهب ، فإن جذ الثمرة قبل وجدان العيب خير بين الرد وما نقص ، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب كجذه قبل الإبار ، فإن اشتراها وفيها ثمرة مأبورة فيجد العيب بعد الطيب ردها بثمنها عند ابن القاسم ، ويرجع بالسقي والعلاج ولم يمضها إذا فاتت بما ينوبها من الثمن كما أمضاها في الشفعة ، وعند سحنون اختلافا من قوله ، وفرق ابن عبدوس بين المسألتين ، وقال أشهب : إن جذت فهي غلة فيتحصل فيها أقوال : برد معا مطلقا للمبتاع تمضى بما ينوبها من الثمن . وإذا قلنا بالثاني أو الثالث ففي حد ذلك ثلاثة أقوال : الطيب البين ، الجذاذ ، ولو ذهبت الثمرة بجائحة هاهنا في هذا الوجه ، رد ورجع بجميع الثمن ، فإن اشتراها بثمرة قد طابت ردها بثمرها ; لأنها مبيعة ، فإن فاتت فالمكيلة إن عرفت وإلا مضت بما ينوبها من الثمن ورد النخل بما ينوبها ، وقيل : يرد قيمة الثمن ويرجع بجميع الثمن ، فهذه عشرة أوجه ، والرد بفساد البيع كذلك في جميع الوجوه غير الخيار لأحد المتبايعين ، وجذاذ الثمرة قبل الإبار ، أو بعده وقبل الطيب فوت .

                                                                                                                نظائر : قال العبدي : توخذ الثمرة في خمس مسائل : الرد بالعيب والشفيع والمستحق إلا اليسير ، فإذا يبست فلا يأخذها ، وكذلك إذا تولدت بعد اليبس أو البيع الفاسد والفلس ما لم تزايل الأصول ، ابن رشد : الغلة للمشتري في هذه الخمس الثمرة وغيرها .

                                                                                                                [ ص: 79 ] فرع

                                                                                                                قال اللخمي : له الانتفاع بالدار والحائط زمن المخاصمة حتى يحكم بالفسخ ; لأنها على ملكه ، وليس له وطء الجارية ولا لبس الثوب بعد معرفة العيب ، بخلاف الأولين ; لأن اللباس ينقص ، والوطء يعتمد استقرار الملك ، فإن فعل كان رضا بالعيب ، وقال مالك في العبد والدابة : إن كان البائع والمشتري حاضرين لزمه العيب إن استعمل ، وخالفه ابن حبيب ; لأن الغلة بالنفقة فصارت الغلات ثلاثة أقسام : قسمان متفق عليهما ، وقسم مختلف فيه ، فإن علم بالعيب بالدابة في سفره فركب فهل يكون رضا ؟ قولان لمالك ، نظرا لكونه كالمكره بالسفر أم لا ، وكذلك يجري الخلاف إذا وجد العيب بعد غيبة البائع ; لأن الرفع للحاكم مما يشق على الناس .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إن جهل الصوف بعد فوته حيث يرده رد اللحم بحصتها من الثمن فرع

                                                                                                                في ( الكتاب ) : إذا انتزعت مال العبد ، ثم رددته رددت ماله ، فإن هلك قبل انتزاعك لم يلزمك بجزء من الثمن ; لأنك لم تشتره بل مال العبد ، وكذلك هلاك الثمرة بأمر سماوي قبل جذاذها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في ( الكتاب ) : إذا نقضت الثوب بلبسك رددت النقص في التدليس وغيره ; لأنك صونت به مالك .

                                                                                                                [ ص: 80 ] فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إذا نقل المبيع ثم عيب دلس به قبل الكراء على المبتاع ; لأن التسليم عليه ، وقيل : على البائع ; لأنه غر فإن لم يدلس قال ابن حبيب : يرفع ذلك للإمام في ذلك البلد ويباع على البائع ، وعلى قول سحنون : النقل فوت ويرجع بالعيب ولا يلزم البائع قبوله في البلد الآخر ، قال : وهو أحسن إلا في العبد والذي كلفه في رجوعه ، فإن وجد البائع في ذلك البلد ماله حمل ورضي البائع بقبضه ، وقال المشتري : أمسك وأرجع بالعيب على قول ابن حبيب ذلك للبائع ; لأن الأصل في الرد بالعيب ، وعن مالك : المشتري بالخيار بين الرد وبين وضع قدر العيب ; لأنه قد تضرر بفوات مصلحة النقل ، وكذلك اختلف في الغاصب فالمشتري أولى فلا بد من اجتماع البائع والمشتري ، فإن كان لا حمل له فالمقال للبائع إذا كان الطريق عامرا ، وإلا فلا مقال لواحد منها ، وإن كان البائع مدلسا وعالما أن المشتري ينقل جبره المشتري على القبول مطلقا ، وإن كان مثليا كان للمشتري دفع مثله ببلد العقد وجبره على الأخذ هاهنا إن دلس ، وإلا فلا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اشترى المكاتب أو المأذون ثم عجز المكاتب وحجر على المأذون ، فللسيد القيام بما لهما في العهدة والرد بالعيب أو الرضا بهما لعود استيلائه عليهما ، ولو رضيا قبل ذلك بغير محاباة ، أو شهدت البينة ببراءة البائع من العيوب لزم ، قال اللخمي : إذا باع المكاتب فللمشتري الرد عليه بعد عجزه ، ويباع له ويتبع بما نقص ، وله الفضل ، قال ابن يونس : إذا كان على المكاتب دين ورضي البائع بالرد فهو أسوة الغرماء ، وقيل : هو أحق بالمبيع كالحر .

                                                                                                                [ ص: 81 ] فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : قال ابن القاسم في الكتاب : إذا بعت العبد من نفسه بأمته لم ترد عليه بالعيب ، وكأنك انتزعتها وأعتقته ، ثم رجع إلى ردها واتباعك إياه بقيمتها نظرا لصورة المعاملة ، قال ابن القاسم : ولو كانت في يد غيره عند العقد رددتها عليه واتبعته بقيمتها لا بقيمته ; لأنها مورد العقد ، وكأنك إذا قاطعت المكاتب على عبده اتفاقا ; لأنك غير قادر على أخذ ماله بخلاف العبد ، وإن أعتقت عبدك على عبده اتفاقا ; لأنك غير قادر على أخذ ماله ، بخلاف العبد وإن أعتقت عبدك على عبد موصوف ثم ظهر معيبا رجعت بمثله فترجع الرطب ثلاثة : في المعين لا ترجع فيه بشيء ، وفي الموصوف ترجع بمثله ، وفي المعين لغيره ترجع بالقيمة ، ولو قبضت عبدا من مسلم فمات في يدك ثم ظهرت على عيب رددنا القيمة لضمانك بالقبض ، ورجعت بمثله توفية بمقتضى العقد ، وعن سحنون : يرجع غير أن الأرش الربع ويكون شريكا وهو القياس ; لأنك قبضت العقود عليه إلا حصة العيب ، والأول استحسان نفيا لضرر الشركة ، وقال ابن عبد الحكم بالأرش من القيمة لا من الثمن ، بخلاف العبد المعين ; لأنه ينفسخ العقد فيه بالرد ، وهاهنا يرجع بالمثل مالا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية