الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا قلت : أودعتك ، وقال : استأجرتني على صبغة ، صدق ; لأنهم يشهدون في العادة ، ولو جوز هذا لذهبت أعمالهم ، وقال غيره : بل الصانع مدع ، قال اللخمي : أصل سحنون : تصديق الصانع في طرح العداء ، وتصديق الآخر في طرح التسمية ، ويكونان شريكين ، والأول أظهر ; لأن الغالب : الاستصناع ، والإيداع نادر ، وكذلك الاختلاف إذا أراد التضمين بالتعدي ، وإلا إن كانت أجرة المثل مثل المدعي فأكثر دفعها ، دفعتها [ ص: 444 ] بغير يمين ، وإن كانت أقل : فعند مالك : يحلف الصانع ويأخذ المسمى ; لأنه ادعى ما يشبه ، وعلى قول الغير : تحلف أنت وتدفع أجرة المثل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا قلت : سرق مني ، وقال : استعملتني ، تحالفتما ، وتدفع أجرة العمل وتأخذ لحصوله لك ، فإن أبيت دفع قيمة الثوب غير معمول لحصوله له ، فإن أبيتما كنتما شريكين بقيمة الثوب غير معمول ، وقيمة العمل ، إذ ليس أحدكما أولى من الآخر ، وكل واحد منكما مدع ، وقال غيره : العامل مدع ، ولا يكونان شريكين ; لأن الأصل : بقاء سلعتك لك سالمة من الشركة ، قال ابن القاسم : وكذلك إن ادعيت أنه سرقه إلا أنه هاهنا إن كان لا يشار إليه بذلك عوقبت وإلا فلا ، قال صاحب النكت : إذا قلت : سرق مني واخترت أخذه وإعطاء قيمة الصبغ وهي مثل دعواه أو أكثر ، لا يمين عليك ، أو أقل حلفت : ما دفعته إليه ; لتسقط الزائد ، ويؤدي القيمة ، وإن اخترت التضمين ، واختار إعطاءك قيمته بغير صبغ ، فلا يمين عليكما ، وإن أبى تحالفتما وكنتما شريكين ، هذا على مذهب ابن القاسم ، وعلى قول الغير في جعله مدعيا : تحلف أنت وتلزمه قيمة الثوب ، قال ابن يونس : إذا قلت : سرق مني ، وقال : استعملتني ، يقال له : ما تريد ؟ فإن أردت تضمينه حلفت : ما استعملته ، ثم يحلف : لقد استعملتني ويبرأ من الضمان ، ثم يدفع قيمة الصبغ لأنك برئت من المسمى بيمينك ، فإن أبيت دفع إليك قيمة الثوب ، فإن أبى كنتما شريكين ، وإن قلت أولا : لا أريد أخذ ثوبي ، وقيمة الثوب مثل دعوى الصانع فأكثر فلا أيمان بينكما ; لأن الصبغ لا بد منه ، وإن كانت أقل حلفت وحدك لتحط الزائد ، فهذا جواب : سرق مني : وأما : سرقته ، فأنت [ ص: 445 ] مدعي التعدي ، فتحلفان ; ليتعين الضمان ويبرأ منه الآخر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا اختلفا قبل السير أو بعد سير لا ضرر فيه ، فقلت : إلى إفريقية بمائة ، وقال : إلى برقة بمائة تحالفتما وتفاسختما كالبيع ، نقدت الكراء أم لا ، وقال غيره : إذا انتقد ، وكان قوله يشبه ، صدق مع يمينه ; لأنه مدعى عليه ، وإن اختلفا في المسافة فقط ، فقال : إلى برقة ، وقد بلغتها ، وقلت : إلى إفريقية ، وقد انتقد فهو مصدق ; لأنك تدعي عليه غرم بقية الكراء إن أشبه أن يكون الكراء لبرقة ذلك ، وإن لم يشبه إلا قولك ، فله حصة مسافة برقة على دعواك بعد تحالفكما ، ولا يلزمه التمادي ، وأيكما لم يحلف قضي لمن حلف ، ويقضى بأعدل البينتين ، فإن تكافأتا : قيل للمشتري : افسخ الكراء ، وقال غيره : يقضى بما زاده أحدهما ، وليس بساقط ، قال ابن يونس : اختلافهما كاختلاف المتبايعين كما تقدم في البيوع ، قال محمد : يبدأ صاحب الدابة باليمين ، فإن اختلفتما بعد طول السفر في المعينة ، أو بعد طول المدة في المضمون صدقت في الأجرة إن لم تنقد وقلت ما يشبه . ويغرم حصة ما مضى ، وصدق المكري في المسافة وكانت في القرب سلعتاكما بأيديكما لم تفت ، ومع البعد كفوت السلعة بعد القبض ، وعلى أصل ابن القاسم : إن أشبه قول المكتري صدق ، انتقد أم لا ، وإن لم يشبه قول أحدهما : تحالفا وله كراء المثل فيما مضى ، وأيكما نكل قضي لمن حلف ، قيل : ولو اختلفا بعد سير نصف الطريق من برقة وبعد النقد [ ص: 446 ] صدق المشتري إذا أشبه ، وتبلغه برقة ; لأن التفاسخ هناك ضرر بخلاف سكنى الدور ولو لم ينقده لأتم له أيضا المسافة بما أقر به المكتري أنه الكراء إلى إفريقية ، قال محمد : إذا قال : للمدينة بمائة ، وقلت : إلى مكة ، وقد نقدته مائة ، وبلغتما المدينة ، تحالفتما وفسخ ما بقي ، ولا يكون له غير ما قبض إلا أن يكون في الحج فعليه التمادي ; لأن العادة فيه الكراء كذلك ، قال مالك : كان المحمول رجلا أو أحمالا ، وعن ابن القاسم : يصدق المكتري في الحج في الحمولة والزوامل ، ويصدق المكري في الأعكام مع يمينه إذا انتقد ، وإن اختلفا بعد تعين الضرر في الرجوع قبل المدينة فقال : للمدينة بمائتين ، وقلت : إلى مكة بمائة ، وقد نقدت وهو في غير الحج ، وأشبه ما قلتماه : نضت المائتان على قول المكري ، فإن وقع لما سار بمائة فأكثر لم يكن للجمال غير المائة ; لأنه قبضها فيصدق في حصتها ، ويتحالفان ويتفاسخان ، فإن وقع لما سار أقل ألزم الجمال التمادي إلى ما ينوب المائة استحبابا ، ويتحالفان ويتفاسخان ( وإن لم ينقده وأشبه ما قال لزم الأول التمادي إلى المدينة ; لأنه اعترف أن الكراء إليها ، وله حصة ذلك من الكراء على دعوى المكتري ، ويتحالفان ويتفاسخان ) في البقية . وهو ظاهر قول أبي محمد ، وقول غير ابن القاسم في المدونة ، وعن ابن القاسم : يتحالفان ويتفاسخان بالموضع الذي يدعيان إليه ، وله حصة ذلك على دعوى المكتري ; لأن سلعة الجمال الذي بقي من المسافة بيده ، إلا أن لا يجد كراء هناك فيلزم التمادي على القولين ، وإن نقده خمسين واختلفا بعد بلوغ المدينة نضت المائة على دعوى المكتري ، فما وقع للمدينة أكثر من خمسين أو أقل لم تنقص من خمسين ، ويتحالفان ، قال صاحب النكت : إنما ينفع النقد المكري إذا اختلفا في الكراء والمسافة جميعا دون الاختلاف في الكراء فقط ; لأنه إذا بلغ المسافة [ ص: 447 ] فالكري مدع للزيادة ، فعليه البيان ، وغير ابن القاسم يفرق بين المضمون فيتفاسخان ، وعند ابن القاسم : لا يتفاسخان حتى يبلغا المدينة التي اتفقا عليها ، وشبه المضمون إذا قبض بالمعين ، ولو هلكت في المضمون اتفق القولان في التفاسخ ; لعدم الحوز بالهلاك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية