مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ثم جزئوا فأيهم خرج عليه سهم الدين بيعوا ثم أقرع ليعتق ثلثهم بعد الدين وإن ظهر عليه دين بعد ذلك بعت من عتق حتى لا يبقى عليه دين " . وإن كان عليه دين يحيط ببعض رقيقه جزئ الرقيق على قدر الدين
قال الماوردي : وهذه المسألة مصورة في عتق ودين يستوعبان التركة ، وهو أن فإن كان الدين مستوعبا لقيمهم ارتفع حكم العتق بالدين سواء أعتقهم في مرضه أو وصى بعتقهم بعد موته ؛ لأن العتق في المرض وبعده وصية تعتبر من الثلث ، والدين مقدم على الوصايا ، فلذلك بطل به حكم العتق ، كما بطل به حكم جميع الوصايا والمواريث ، وإن كان الدين غير مستوعب لقيمهم ارتفع حكم العتق فيما قابل قدر الدين ، وكان باقيا فيما عداه . والدين خارج من أصل التركة ، والعتق معتبر من ثلثها ، فتصور المسألة في أسهل أمثلتها ، ليكون مثالا لغيره ، وهو أن يكون له أربعة عبيد يعتقهم في مرضه ، ولا مال له غيرهم ، وقيمة كل عبد منهم مائة درهم ، ويموت ويظهر عليه مائة درهم دينا ، فلظهور الدين حالتان : يكون له عبيد لا يملك غيرهم ، وقد أعتقهم في مرض موته أو أوصى بعتقهم ، وعليه دين يستوعب قيمهم أو قيمة بعضهم ،
إحداهما : أن يظهر قبل تحرير العتق بالقرعة .
والثانية : بعد تحريره بها .
[ ص: 47 ] فإن ظهر قبل القرعة وجب أن يقرع بينهم لقضاء الدين ثم يقرع بينهم للعتق فإن قيل : فقضاء الدين لا يحتاج إلى قرعة ، كما لو اجتمع الدين مع الوصايا لم يقرع في التركة بين أرباب الديون والوصايا . قيل : إنما أقرع في الدين مع العتق ، وإن لم يقرع فيه مع الوصايا لأمرين : فرق وتعليل .
فأما الفرق فهو أن القرعة لما استعملت في العتق إذا انفرد ، ولم تستعمل في الوصايا إذا انفردت استعملت في العتق إذا اجتمع مع الدين ، وإن لم يستعمل في الوصايا إذا اجتمعت مع الدين .
وأما التعليل : فهو أن العتق لا يترك بالعجز على إشاعته حتى يميز بالقرعة ، فلم يجز أن يشاع ما دخله العجز إلا بالقرعة والوصايا تترك بالعجز على إشاعتها ، ولا تميز بالقرعة ، فجاز أن يشاع ما دخله العجز بغير قرعة .
وإذا وجب الإقراع للدين كما وجب الإقراع للعتق ، وجب تقديم الإقراع للدين كما وجب الإقراع للعتق ، لإمضاء العتق بعد قضاء الدين ، ولم يجز أن يجمع في كما وهم فيه بعض الفقهاء ، لأمرين : الإقراع الواحد بين قضاء الدين والعتق ،
أحدهما : لتقديم الدين على الوصايا .
والثاني : يجوز أن تزيد قيمة من قرع في الدين ، فتضم الزيادة إلى من أفرد للعتق أو تنقص القيمة ، فتتمم ممن أفرد للعتق .
فإذا تقررت هذه الجملة ، فمعلوم من صورة ما قلناه أن الدين مقابل لربع التركة ؛ لأنه مائة والتركة أربع مائة ، فوجب أن يجزءوا أرباعا ، ويكتبوا في أربع رقاع ، والمقرع فيه بين خيارين :
أحدهما : أن يكتب أسماءهم ، ويخرج على الدين ، فمن خرج اسمه بيع فيه .
والثاني : أن يكتب في رقعة دينا ، وفي ثلاثة رقاع تركة ، ويخرج على الأسماء فمن خرج عليه سهم الدين بيع فيه ، فإذا تعين المبيع في الدين بالقرعة لم يجز أن يقرع بين الباقين في العتق إلا بعد بيعه في الدين ؛ لأنه قد يجوز أن تزيد قيمته ، فيزاد على سهام العتق ، ويجوز أن تنقص ، فتتمم من سهام العتق ، ويجوز أن يهلك فيقرع للدين ثانية من سهام العتق ، فلذلك وجب التوقف على الإقراع للعتق حتى يباع القارع في الدين ، ويقضى بثمنه جميع الدين ثم تستأنف قرعة العتق بين الثلاثة على ثلاثة أجزاء ، فيعتق منهم من خرج عليه سهم العتق ، ويرق من خرج عليه سهم الرق ، فلو كانوا ثلاثة عبيد قيمتهم أربعمائة درهم ، والدين مائة درهم ، جزئوا في الدين ثلاثة أجزاء على عددهم ، فإذا خرجت فيه قرعة أحدهم بيع منه ثلاثة أرباعه ؛ لأن قيمته مائة وثلاثة [ ص: 48 ] وثلاثون وثلث والمائة الدين هي ثلاثة أرباعها ، ويبقى عبدان ، وربع قيمتهم ثلاثمائة فيجزءون أثلاثا ، ويقرع بينهم للعتق ، فإن خرج سهم العتق على أحد الكاملين عتق ثلاثة أرباعه ، ورق ربعه مع جميع الآخر والربع الباقي من المبيع في الدين ، وإن خرج سهم العتق على الربع الباقي من المبيع في الدين عتق ، وقرع بين الكاملين ، وأعتق من القارع نصفه ، ورق نصفه ، وجميع الآخر . والله أعلم .