الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه القولين فإن قلنا بالأول منها أن الكتابة صحيحة ، فكسب المكاتب بينه وبين شريكه ، ليأخذ الشريك منه بقدر ملكه ، ويأخذ المكاتب منه بقدر كتابته ليؤديه فيها ، فإن لم يهايئه الشريك قاسمه على كل كسبه ، ولم يجز أن يأخذ من سهم الرقاب في الصدقات ، وإن هايأه ليكتسب لنفسه يوما وللشريك يوما ، جاز . وفي وجوبها إذا طلبها أحدهما وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تجب كما تجب القسمة إذا دعا إليها أحد الشريكين ، وأصله قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائه ، فجعل لكل واحدة منهن ليلة ، وهي مهايأة قد أوجبها لنفسه وعليها ، ويجوز للمكاتب بعد المهايأة ، أن يأخذ من سهم الرقاب في الصدقات في أيام نفسه ، ولا يجوز أن يأخذ منها في أيام سيده .

                                                                                                                                            [ ص: 201 ] والوجه الثاني : أنها لا تلزم إلا عن مراضاة ، لأنها تفضي إلى تأخير حق معجل ، وتعجيل حق مؤخر . وما أفضى إلى هذا لم يلزم ، وبهذا المعنى فارق قسمة الشركاء ، لأنه لا تعجيل فيها ولا تأخير . وأما قسم الزوجات ، فلما لم يمكن الجمع بينهن ، ولم يكن بد من إفراد كل واحدة منهن بحقها ، لزمت المهايأة بينهن ، وليس كذلك هاهنا ، لإمكان الاشتراك من غير مهايأة فافترقا ، فإذا صح هذا ، وأدى المكاتب إلى سيده الذي كاتبه من مال كتابته نظر ، فإن كان أداؤه قبل أن دفع إلى الشريك منه قدر حقه لم يعتق به ، لأن للشريك أن يرجع بقدر حصته منه ، فلم يكمل به الأداء فلم يعتق ، وإن كان ما أداه بعد أن دفع إلى الشريك منه قدر حقه عتق منه قدر ما كوتب منه بالعقد ، ثم اعتبرت بحال سيده الذي كاتبه ، فإن كان معسرا لم يسر عتقه إلى باقيه ، وكان على رقه للشريك فيه ، وإن كان موسرا سرى إلى الباقي ، ويقوم على الشريك الذي كاتبه وقت الأداء وصار جميع المكاتب حرا بالأداء والسراية ، وإن عجز المكاتب عن أداء كتابته فلسيده الذي كاتبه استرقاقه ، ويصير جميع المكاتب عبدا قنا ، ويكون ما في يده بعد التعجيز للسيد المكاتب دون الشريك ، لأن الشريك قد استوفى حقه من الكسب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية