الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا أعتق فبرئ أو أبرئ فعتق ، ففي تقويم باقيه على معتقه ومبرئه إذا كان موسرا قولان ، نص الشافعي عليهما ، ونقلهما المزني إلى جامعه الكبير :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تقوم عليه ويكون الباقي على كتابته ، لأن عقد العتق كان من الأب ، ولذلك كان ولاؤه له ، والوارث إنما ورث المال وإن جاز أن يصير مالكا للرقبة بالعجز ، فإذا أبرأ أو أعتق ، كان ذلك منه تنفيذا لعتق الأب ، وتعجيلا لما أخره فلم يقوم عليه لأن العتق منسوب إلى أبيه ، ولم يقوم على الأب لزوال ملكه بالموت ، فعلى هذا تعتق حصة المبرئ في حال الإبراء والعتق ، ويكون نصفه الباقي على كتابته يؤديها إلى الأخ ، فإن أداها عتق نصفه الباقي وصار جميعه حرا وولاؤه للأب ينتقل إليهما بالإرث ، وإن عجز عن باقي كتابته ، رق نصفه ، وكان ملكا للأخ ، وكان ولاء نصفه المعتق للأب ، وهل ينفرد به المعتق ، أو يكون شركة بينهما ، ففيه وجهان مضيا :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون بينهما ، لأنه منتقل عن الأب إرثا فلم يجز أن ينفرد به أحدهما .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يكون للمعتق خاصة ، لأن أخاه قد كان قادرا على ملك مثله لو عجل العتق ، أو الإبراء ، فلما اختار رقه ، لم يجز أن ينفرد بالرق ويشارك في الولاء .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه الشافعي في الأم والإملاء وأكثر كتبه أنه يقوم على المعتق باقيه ، لأنه بتعجل العتق عادل عن عتق الأب فصار منسوبا إليه ، فاقتضى أن يكون مأخوذا بحكم سرايته لعتقه ويساره ، فعلى هذا هل يتعجل بسراية عتقه في الحال ، أو تكون موقوفة على العجز ؟ فيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : تتعجل السراية لطروئها على محل يسري فيه العتق ، فصارت كالسراية في عتق أحد الشريكين .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها تكون موقوفة على عجز المكاتب ، لأن حق الأب في عتقه وملك ولائه أسبق ، فلم يجز إبطاله إلا بعد العجز عنه ، فعلى هذا إذا قلنا بتعجيل السراية [ ص: 179 ] أخذ المعتق بقيمة حصة أخيه في وقت عتقه ، وبماذا يقع العتق في هذا النصف المقوم ؟ على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : بلفظ المعتق ، ويكون مأخوذا بالقيمة بعد نفوذ العتق .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يقع باللفظ وأداء القيمة ويكون ذلك النصف قبل دفع قيمته على رقه .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أن عتقه يكون موقوفا مراعى ، فإن دفعت القيمة بان أنه وقع بنفس اللفظ ، وإن لم يدفعها بان أنه لم يعتق ، وعلى أي الأقاويل عتق فولاء هذا النصف المقوم يكون للمعتق خاصة ، لأنه عتق بالتقويم عليه لا بالكتابة . فأما ولاء نصفه الذي أعتقه فللأب ، وهل ينفرد به المعتق ، أو يكون شركة بين الأخوين على ما مضى من الوجهين ؟ وإن قلنا : إن السراية موقوفة على العجز انتظر بها أداء المكاتب ، فإن أدى كتابة باقيه ، عتق ولا تقويم فيه ، وكان جميع ولائه للأب ينتقل إلى الأخوين نصفين ، وإن عجز عن كتابة باقيه ، قوم حينئذ لوقته ، ووقع العتق هاهنا باللفظ مع أداء القيمة قولا واحدا ، لأنه لما وقف بعد اللفظ امتنع أن يقع به ، ولما وقف على أداء الكتابة دون القيمة ، امتنع أن يكون مراعى بدفع القيمة ، وثبت أنه واقع بأدائها مع اللفظ المتقدم عليها . وإذا كان بذلك كان ولاء نصفه المقوم مختصا به لا حق فيه لأخيه ، وفي ولاء ما باشره من العتق والإبراء وجهان على ما مضى . فيصير في أحد الوجهين مالكا لجميع ولائه ، وفي الوجه الثاني مالكا لثلاثة أرباعه إن باعه ، وأخوه مالكا لربعه . والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية