الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن ولدت منه بعد عتقه بستة أشهر كانت في حكم أم ولده وإن وضعت لأقل فلا تكون أم ولد إلا بوطء بعد العتق وله بيعها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا وطئ المكاتب أمة ، قد اشتراها في كتابته ، فلا حد عليه في وطئها ، ولا مهر ، سواء جوز له ذلك أو منع منه ، أما سقوط الحد فلوجود الشبهة في تردده بين أن يكون مالكا أو غير مالك ، وأما سقوط المهر فلأن مهرها من كسبه ، فلم يجب له على نفسه مهر ، فإن أحبلها وجاءت بولد فهو لاحق به ، لأنه من ملك أو شبهة ملك ، وهو مملوك لأنه من بين مملوكين ، ولا يملكه السيد لزوال ملكه عن أبويه ، ولا يعتق على الأب بالملك لبقاء الأب على رقه ، وليس للأب بيعه لحرمة نسبه ، ويكون تبعا له في الكتابة يعتق بعتقه ، ويرق برقه ، وهل تصير به أم ولد أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تصير به أم ولد ، لأنها علقت به وهو مملوك ، فلم تنتشر حرمته إليها ، فعلى هذا يجوز له بيعها في كتابته وبعد عتقه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها قد صارت به أم ولد له ، لأن لولدها في الحال حرمة تمنع من [ ص: 186 ] جواز بيعه ، فانتشرت حرمته إليها في المنع من بيعها ، فعلى هذا يوقف أمرها على عتقه ، فإن عتق حرم بيعها ، وإن عجز ورق صارت هي وولدها ملكا للسيد ، تبعا لرق المكاتب ، وله بيع جميعهم ، هذا إذا كان وضعها للولد قبل عتق المكاتب .

                                                                                                                                            فأما إذا وضعت ولدا بعد عتق المكاتب ، فلا يخلو أن تضعه لأقل من ستة أشهر أو لستة أشهر فأكثر ، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر فهو مملوك في حال العلوق وحر في وقت الولادة ، فعليه الولاء لأبيه لعتق الولد بعد رقه ، وهل تصير له أم ولد أم لا ؟ على ما مضى من القولين .

                                                                                                                                            وإن وضعت لستة أشهر فصاعدا كان حر الأصل ، لأنه يجوز أن يكون علوقه متقدما في الرق ، ويجوز أن يكون حادثا بعد العتق ، ونحن على يقين من حدوثه ، وفي شك من تقدمه ، فوجب أن يتعلق عليه حكم اليقين دون الشك . فعلى هذا لا يكون عليه ولاء ، لأنه لم جر عليه رق ، وتكون أمه أم ولد قولا واحدا ، لأنها علقت بحر ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية