الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القرعة التي تتميز بها الحرية من الرق ، فمنع منها أبو حنيفة استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن القرعة رجم بالغيب تنقل الحرية إلى الرق ، والرق إلى الحرية ، فجرت مجرى الأزلام التي منع منها الشرع بقوله تعالى " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ( المائدة : 90 ) والجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن القرعة إنما دخلت لتمييز عتق مطلق غير معين فلم تنقل الحرية إلى [ ص: 36 ] رق ، ولا رقا إلى حرية ، ألا ترى لو عين العتق في اثنين منهم لم ينقل بالقرعة إلى غيرهم .

                                                                                                                                            وإنما يقرع إذا أطلق العتق في الستة ، واستحق في اثنين منهم دخلت لتمييز ما يعتق ، ويرق .

                                                                                                                                            والثاني : أن القرعة خارجة عن حكم الأزلام التي هي رجم بالغيب ؛ لأنهم كانوا يعتقدون في الأزلام أنها هي الآمرة ، وهي الناهية ، وكانوا يكتبون على أحدهما : أمرني ربي ، وعلى الآخر : نهاني ربي ، وآخر يجعلونه عقلا ، ويجرونها مجاري النجوم التي يعتقد المنجم أنها هي الفاعلة ، فنهى الله تعالى عنها ، ولم يرد الشرع بإباحة شيء منها .

                                                                                                                                            والقرعة مميزة لحكم وجب بالشرع ؛ لأنها قد عمل بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الشرع ، ووافق عليها في كثير من الأحكام ، فلم يجز أن تجعل القرعة التي ورد الشرع بها مجرى الأزلام التي نهى الشرع عنها .

                                                                                                                                            والاستدلال الثاني : أن قالوا لو كانت القرعة دليلا لم تتناقض ، لأن أدلة الله لا تتناقض ، واستعمال القرعة موجب للتناقض ؛ لأنها لو أعيدت ثانية لخرجت بغير ما خرج به الأول ، فلم يجز أن تستعمل ، والجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما لم يمنع هذا المعنى من دخول القرعة في قسمة الأملاك لم يمنع منها في العتق .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا تناقض فيها ؛ لأنها لا تستعمل إلا مرة ، فكانت دليلا في الأول ، ولم تكن دليلا في الثاني فلم يدخلها إذا كانت دليلا تناقض وإن دخلها إذا لم تكن دليلا تناقض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية