الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن أعتق عبده أو كاتبه بإذن سيده فأدى كتابته ففيها قولان : أحدهما لا يجوز لأن الولاء لمن أعتق ، والثاني أنه يجوز . وفي الولاء قولان أحدهما : أن ولاءه موقوف فإن عتق المكاتب الأول كان له وإن لم يعتق حتى يموت فالولاء لسيد المكاتب من قبل أنه عبد لعبده عتق ، والثاني أن الولاء لسيد المكاتب بكل حال لأنه عتق في حين لا يكون له بعتقه ولاؤه ، فإن مات عبد المكاتب المعتق بعدما يعتق وقف ميراثه في قول من وقف الميراث كما وصفت ، فإن عتق المكاتب الذي أعتقه فله ، وإن مات أو عجز فلسيد المكاتب إذا كان حيا يوم يموت ، وإن كان ميتا فلورثته من الرجال ميراثه ، وفي القول الثاني لسيد المكاتب لأن ولاءه له . وقال [ ص: 243 ] في الإملاء على كتاب مالك : إنه لو كاتب المكاتب عبده فأدى لم يعتق كما لو أعتقه لم يعتق ( قال المزني ) هذا عندي أشبه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في مكاتب ملك عبدا فأعتقه أو كاتبه ، فنفوذ ذلك معتبر بإذن سيده فيه ، فإن أعتق أو كاتب بغير إذن سيده كان عتقه مردودا ، لأنه استهلاك ملك وكتابته باطلة ، لأن مقصودها العتق ، وإن عتق أو كاتب بإذن سيده ، ففي عتقه وكتابته قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : بطلانها ، ولا يصح من المكاتب عتق ولا كتابة ، لنقص ملكه وتصرفه ، فصار أسوأ حالا من المجنون الذي يبطل عتقه بنقص تصرفه مع تمام ملكه ، ولأن نفوذ العتق يوجب ثبوت الولاء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لحمة كلحمة النسب والمكاتب لا يستحق الولاء ، فلم يصح منه العتق ، وهذا اختيار المزني .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن عتقه نافذ وكتابته جائزة ، لأنه ممنوع من ذلك من جهة سيده ، فاقتضى أن يزول المنع بإذنه كما يزول منع الرهن من العين بإذن المرتهن ، ولأن حال المكاتب لا يخلو إما أن يكون مشتركا بينهما أو لأحدهما ، فاقتضى أن ينفذ العتق على الأحوال باجتماعهما لاختصاص الملك بهما ، وعلى هذا القول يكون التفريع ، فإذا أنفذ العتق ، وصحت الكتابة ، ففي ولاء المعتق قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون للسيد لأن الولاء ثابت بالعتق لمالك معين ، وليس المكاتب ممن يملك الولاء قبل عتقه ، فوجب أن يكون لسيده الذي لم يتم العتق إلا بإذنه ، وعلى هذا إن مات المعتق كان ميراثه بالولاء لسيده ، ولو عتق المكاتب بالأداء ، فهل يجر إليه ولاء معتقه ، وينتقل عن سيده إليه أم لا ؟ على وجهين حكاهما ابن أبي هريرة :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجر الولاء ، ويكون باقيا للسيد ، لأن ثبوت الولاء كالنسب ، والنسب لا ينتقل عن محل ثبوته ، فكذلك الولاء يكون للسيد ثم لعصبته من بعده .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجر الولاء ، وينتقل عن السيد إليه لمباشرته العتق ، لأنه لما لم ينجر ولاء الأولاد عن معتق الأم إلى معتق الأب وهو غير مباشر لعتق الأولاد ، فأولى أن لا ينجر ولاء العتق في المباشرة عن السيد إلى المكاتب المباشر للعتق ، فهذا حكم الولاء إذا قيل إنه للسيد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن الولاء يكون موقوفا على المكاتب المعتق دون السيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق . وليس يمتنع وقوف الولاء لأنه ليس بأوكد من النسب الذي يجوز أن يوقف عند الاشتراك في الفراش على بيان القافة أو انتساب الولد ، فكان الولاء في الوقوف بمثابته ، ويراعى حال المكاتب المعتق ، فإن عتق بالأداء كان له ولاء [ ص: 244 ] معتقه ، وإن رق بالعجز صار الولاء لسيده ، فعلى هذا لو مات المعتق وولاؤه موقوف على عتق المكاتب ، ففي ميراثه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون موقوفا ، لأن ولاءه موقوف كما يوقف ميراث الابن إذا مات ، وكان نسبه موقوفا على البيان .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن ميراثه يكون للسيد ، ولا يكون موقوفا على المكاتب ، وإن كان الولاء موقوفا عليه ، لأن السيد وارث في الحال ، والمكاتب غير وارث فيها ، فلم ينتظر به الانتقال إلى حال الميراث كالحر إذا خلف أبا مملوكا وجدا حرا كان ميراثه لجده ، ولا يوقف على عتق أبيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية