فصل : وأما . جر الولاء ، فهو أن يثبت على الولد ولاء لمعتق أمه ، فيجر معتق أبيه ولاءه عنه إلى نفسه
وصورته : فإذا أعتق أبوهم انجر ولاؤهم عن الأم إلى معتق الأب ، فإن انقرض مولى الأب وعصبته لم يعد ولاؤهم إلى معتق الأم ، وكان لكافة المسلمين ، وهو قول الأكثرين من الصحابة والتابعين ، والفقهاء . أن يعتق أمة ، وتتزوج بعد عتقها بعبد ، فتلد منه أولادا ، فهم أحرار [ ص: 96 ] بحرية أمهم ، وعليهم الولاء لمعتق أمهم ،
قاله من الصحابة عمر ، وعثمان ، وعلي ، والزبير ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم .
ومن التابعين : الحسن ، وابن سيرين وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز وشريح ، والشعبي ، والأسود بن زيد .
ومن الفقهاء : الحكم ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والثوري ، وأبو حنيفة والشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وخالفهم من أقر الولاء لمعتق الأم ، ولم يجره إلى معتق الأب ، فإن انقرض معتق الأم لم ينتقل إلى معتق الأب ، وكان لكافة المسلمين .
قاله من الصحابة رافع بن خديج ، ورواية شذت عن زيد بن ثابت .
ومن التابعين مالك بن أوس بن الحدثان ، ومجاهد ، والزهري ، وعكرمة ، وميمون بن مهران ، وعبد الملك بن مروان .
ومن الفقهاء داود ، وأهل الظاهر ، احتجاجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لحمة كلحمة النسب . ثم ثبت أن النسب معتبر إذا ثبت في جنبة لم ينتقل إلى غيرها ، كذلك الولاء .
ودليلنا : ما قاله الجمهور من جر الولاء ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لحمة كلحمة النسب ثم ثبت أن النسب معتبر بالآباء دون الأمهات كذلك الولاء معتبر بالآباء دون الأمهات وإنما اعتبر بالأمهات لإعوازه من جهة الآباء ضرورة ، فإذا وجد من جهتهم انتقل إليهم ، وجرى مجرى ولد الملاعنة إذا اعترف به أبوه بعد لعانه عاد إلى نسبه ، ولحق به .
والقصة المشهورة في خبر الولاء ما روي أن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قدم خيبر ، فرأى فتية لعسا ظرافا ، فأعجبه ظرفهم ، فسأل عنهم ، فقيل له : هم موال لرافع بن خديج أمهم حرة وأبوهم مملوك لآل الحرقة ، فاشترى أباهم ، وأعتقه ، وقال لهم : انتسبوا إلي فأنتم موالي ، ونازعه رافع فيهم ، فاختصما إلى عثمان ، فقضى بولائهم للزبير وعلي حاضر رضي الله عنهم جميعا .
[ ص: 97 ] ففي جره ولاءهم عن معتق الأم ثلاثة أوجه ، حكاها فإذا ثبت جر الولاء إلى معتق الأب ، فأعتق الجد دون الأب ، أبو العباس بن سريج أقاويل :
أحدها : يجر معتق الجد ولاءهم عن معتق الأم ، وبه قال شريح ، والشعبي ، ومالك ؛ لأن الجد والد .
والوجه الثاني : أنه لا يجر ولاءهم لمباشرة الأب للولادة ، وبه قال أبو حنيفة .
والوجه الثالث : إن كان الأب حيا لم يجر معتق الجد ولاءهم ، وإن كان ميتا جره ؛ لأن الجر بموت الأب مستقر ، ومع بقائه غير مستقر ، فعلى هذا الوجه لو جر معتق الجد ولاءهم ، ثم أعتق الأب بعد ، ففي جر الولاء عن معتق الجد إلى معتق الأب وجهان :
أحدهما : يجر ، وهو الأصح ؛ لأن الولادة فيه مباشرة ، وفي الجد بعيدة .
والوجه الثاني : لا يجره لاستقراره في نسب الأبوة .