مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " فإن أدى قيمتها ثم عادت فجنت ففيها قولان : أحدهما أن إسلامه قيمتها كإسلامه بدنها ويرجع المجني عليه الثاني بأرش جنايته على المجني عليه الأول فيشتركان فيها بقدر جنايتهما ثم هكذا كلما جنت ويدخل فيه أن إسلامه قيمتها كان كإسلام بدنها إلى الأول لزم الأول إخراجها إلى الثاني إذا بلغ أرش الجناية قيمتها ، والثاني أنه يدفع الأقل من قيمتها أو الجناية فإن عادت فجنت وقد دفع الأرش رجع على السيد وهكذا كلما جنت ( قال المزني ) والثاني أشبه عندي بالحق لأن إسلام قيمتها لو كان كإسلام بدنها لوجب أن تكون الجناية الثانية على قيمتها وبطلت الشركة وفي إجماعهم على إبطال ذلك إبطال هذا القول وفي إبطاله ثبوت القول الآخر إذ لا وجه لقول ثالث نعلمه عند جماعة العلماء ممن لا يبيع أمهات الأولاد فإذا أفتكها ربها صارت بمعناها المتقدم لا جناية عليها ولا سيدها بها فكيف إذا جنت لا يكون عليها مثل ذلك قياسا ( قال المزني ) وقد ملك المجني عليه الأرش بحق فكيف يجني غيره وغير ملكه وغير من هو عاقله له فيجب عليه غرمه أو غرم شيء منه " .
قال الماوردي : اعلم أنه لا تخلو من ثلاثة أقسام : جناية أم الولد إذا تكررت
أحدها : أن تتكرر قبل غرم الأرش ، فيكون السيد ضامنا لأروش الجنايات كلها ، وإن كثرت بأقل الأمرين من قيمتها أو أروش جناياتها ، ولا يلتزم السيد من الغرم أكثر من قيمتها لا يختلف فيه قول الشافعي ، لأن وجوب الأرش في حق الجماعة كوجوبه في حق الواحد .
والقسم الثاني : أن تتكرر جنايتها بعد غرمها ، وقبل استيفاء قيمتها ، فيضمن السيد غرم الجناية الثانية والثالثة ، كما ضمن غرم الأولى حتى يستوعب غرم جميع القيمة سواء اتفقت الجنايات أو اختلفت مثل أن تكون الجناية الأولى نصف قيمتها ، والثانية ثلث قيمتها ، والثالثة ربع قيمتها ، فيغرم أرش كل جناية منها حتى يستكمل غرم جميع قيمتها .
[ ص: 317 ] والقسم الثالث : أن تتكرر جنايتها بعد غرم جميع قيمتها في الجناية الأولى ، وهو مسألة الكتاب ففيه قولان :
أحدهما : وهو اختيار المزني أنه يغرم في الجناية الثانية بأقل الأمرين ، وكذلك لو جنت مائة جناية بعد غرم ما تقدمها ضمن كل واحد منهن بأقل الأمرين ، لأمرين :
أحدهما : أن ما أوجب الغرم في الجناية الأولى موجود فيما بعدها ، فوجب أن يكون الغرم كالتي قبلها .
والثاني : أن الأول قد ملك ما أخذه من الأرش ، والجاني غيره ، فلم يجز أن يؤخذ بأرش جنايته .
والقول الثاني : أن السيد لا يلتزم غرم أكثر من قيمة واحد ، ويرجع الثاني على الأول ، فيشركه فيما أخذه ، ويرجع الثالث على الأول والثاني ، فيشركهما ، كالشفعة إذا استحقها ثلاثة ، وحضر أحدهم فأخذها ثم قدم ثان شارك الأول فيها ، فإذا قدم الثالث شارك الأول والثاني ، وإنما لم يغرم السيد أكثر من قيمة واحدة لأمرين :
أحدهما : أنه في حكم المتلف ، ولا يلزم المتلف أكثر من قيمة ما أتلف .
والثاني : أن تسليم قيمتها كتسليم بدنها ، وهو إذا سقم بدن عبد قد جنى ثم عاد فجنى اشترك جميعهم في بدنه ، كذلك إذا سلم القيمة ثم تكررت الجناية اشترك جميعهم في القيمة ، فإن تساوت أروش جناياتهم تساووا في القيمة ، وإن تفاضلت تفاضلوا بقدرها في القيمة ، ولا يمتنع أن يرجع الثاني على الأول بأرش جنايته ، ويرجع الثالث على الأول والثاني ، وإن لم يكن واحد منهما جانيا كما لو حفر رجل بئرا في أرض لا يملكها ثم مات فسقطت فيها بهيمة ضمن قيمتها في تركته ، فلو استوعبت القيمة جميع تركته ثم سقطت فيها بهيمة ثانية رجع الثاني على الأول ، فشاركه في القيمة ، فإن سقطت فيها بهيمة ثالثة رجع الثالث على الأولى والثاني فشاركهما في القيمة ، وليس أحد منهما جانيا ، وبهذا يفسد ما استدل به المزني والله أعلم .