الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها : إذا عاد الصداق أو نصفه إلى الزوج قبل الدخول بطلاق أو فسخ وقد نما عند الزوجة نماء منفصلا فهل يرجع بنمائه أو نصفه المذهب أنه لا يرجع به ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وصالح نقل عنه ابن منصور أنه ذكر له قول سفيان في رجل تزوج امرأة على خادمة ثم زوجها غلاما فولدت أولادا ، فطلق امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها قال أحمد جيد واختلف أصحابنا في معنى هذه الرواية على طريقين :

أحدهما : وهو مسلك القاضي أنها تدل على أن الزوجة إنما ملكت بالعقد نصف الصداق فيكون لها نصف نمائه وجعل قوله وقيمة ولدها مجرورا بالعطف على قوله نصف قيمتها أي ونصف قيمة ولدها .

قال وذكر القيمة ههنا محمول على التراضي عليها أو على أن المراد نصف الأم ونصف الولد ولم يرد القيمة وهذا المسلك ضعيف جدا أو في تمام النصف ما يبطله وهو قول أحمد فإن أعتقها قبل أن يدخل بها لا يجوز عتقها لأنها من حين تزوجها وجبت لها الجارية وهذا تصريح بأنها ملكت الأمة كلها بالعقد إذ لولا ذلك لعتق نصفها بالملك وسرى عتقها إلى الباقي مع اليسار وكذلك سلك أبو بكر في زاد المسافر وابن أبي موسى في تخريج هذا النص وبنياه على أن المرأة لم تملك بالعقد إلا النصف ثم خرج أبو بكر لأحمد قولا آخر في هذه المسألة على قوله تملك الصداق كله بالعقد أن الأولاد والنماء لها ويرجع بنصف قيمة الأم دون الأولاد يعني الزوج قال وبه أقول وهو اختيار صاحب المغني أيضا فرارا من التفريق بين الأم وولدها في بعض الزمان وأما ابن أبي موسى فإنه خرج وجها على القول بملك الصداق كله بالعقد أن الولد للمرأة لحدوثه في ملكها ولها نصف قيمة الأم فجعل للزوجة القيمة كما في نص أحمد وهذا الوجه ضعيف جدا حيث تضمن التفريق بين الأم وولدها بغير العتق ومنع الزوجة من أخذ نصف الأمة وهو أقرب إلى عدم التفريق من أخذ نصف القيمة ، وعند القاضي إذا قيل إن الولد كله له فللزوج نصف قيمة الأم صرح به في المجرد ، وقال في الخلاف يرجع بنصف الأمة .

والطريق الثاني : في معنى الرواية أنها تدل على أن النماء المنفصل يرجع به الزوج بالفرقة تبعا للأصل ، وهذا مسلك جماعة منهم صاحب المحرر لكنه استشكل إيجاب القيمة دون المعين وقال لا أدري هل هو لنقص الولادة أو لغير ذلك فإن أحمد جعل للمرأة نصف قيمة الأمة ونصف قيمة الولد لأجل حق الزوج فبطل في نصف الأمة وولدها وليس ذلك بأولى من العكس .

وقد يجاب عن ذلك بأن بالطلاق يرجع به نصف الأمة [ ص: 171 ] إلى الزوج قهرا كالميراث لأنه باق بعينه لا سيما والأملاك القهرية يملك بها ما لا يملك بالعقود الاختيارية فلا يجبر الزوج بعد ذلك على أخذ قيمته بل يتعين تكميل الملك له في الأم والولد حذرا من التفريق المحرم .

ويشبه هذا ما قاله الخرقي فيما إذا كان الصداق أرضا فنبت فيه ثم طلقها قبل الدخول أن الزوج يرجع بنصف الأرض ويتملك عليها البناء الذي فيه بالقيمة لكن أحمد في تمام هذا النص بعينه من رواية ابن منصور ذكر مسألة البناء وصبغ الثوب وقال للزوج نصف القيمة لأنه استهلاك ففرق بين أن يكون المرأة وصلت الصداق بمالها على وجه لا ينفصل عنه إلا بضرر عليها وبين أن يكون باقيا بعينه ففي الأول يتعين للزوج نصف القيمة لاختلاط المالين وفي الثاني يرجع بنصف العين لبقائها بحالها وإنما جاء الإجبار على تكميل الملك [ للمانع ] الشرعي من التفريق ويحتمل عندي في معنى رواية ابن منصور طريق ثالث وهو أن يكون أراد [ أحمد ] أن للزوجة نصف قيمة الأمة ولها قيمة ولدها كاملة لأن الولد نماء تختص به الزوجة وقد عاد إلى الزوج نصف الأم فيجبر الزوج على أخذ نصف قيمة الأم وقيمة الولد بكمالها حذرا من التفريق ، ولعل هذا أظهر مما قبله والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية