الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 319 - 320 ] وبسد كوة فتحت أريد سد خلفها

التالي السابق


( و ) قضي على جار ( بسد كوة ) بفتح الكاف في الأشهر وضمها وشد الواو ، أي طاقة ( فتحت ) بضم فكسر أي أحدث فتحها ويشرف منها على جاره و ( أريد ) بضم فكسر ( سد ) بفتح السين المهملة وشد الدال كذلك منونا ( خلفها ) أي داخلها من ناحية من فتحها وإبقاؤها مفتوحة من ناحية جاره ولم يرضه ، إذ لا يكفي ذلك عند الإمام مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما ، إذ ذاك زريعة إلى ادعاء فاتحها في المستقبل قدمها واستدلاله عليه بفتحها من جهة جاره ، ومفهوم فتحت أن القديمة لا يقضى بسدها وهو كذلك على المشهور في المدونة ، ومن فتح في جداره كوة أو بابا يضر بجاره في الإشراف عليه منه منع ، فأما كوة قديمة أو باب قديم لا منفعة له فيه ، وفيه مضرة على جاره فلا يمنع منه أبو الحسن الكوة بفتح الكاف وضمها والفتح أشهر ، وهي عبارة عن الطاق .

ابن يونس رأيت بعض فقهائنا يفتي ويستحسن أن له منعه عن التكشف وإن كانت قديمة ، وإن رضيا بذلك فلا يتركا لرضاهما وهو خلاف المنصوص ، والصواب جبر المحدث على الستر على نفسه أي محدث البنيان أبو الحسن القدم طول المدة لا إنه أقدم من جاره ، وفي تضمين الصناع القدم إما سكوت الثاني مدة حيازة الضرر أو التقدم على بنائه ، وأفتى ابن عرفة بسد الكوة القديمة وقوى ابن عبد النور في حاويه سدها ، ولكن مذهب المدونة عدم القضاء بسدها وإن كان فيها ضرر على الجار ابن يونس وهو المنصوص ابن فرحون وهو المشهور ابن الهندي إذا كان للرجل كوة قديمة يشرف منها على جاره فلا قيام للجار فيها ويجب في التحفظ بالدين التطوع بغلقها من جهة الاطلاع على العورات والتحفظ بالدين أوكد من حكم السلطان . [ ص: 321 ]

( تنبيهات ) : الأول : أطلق المصنف القضاء بسدها وهو مقيد بقربها بحيث يمكن التطلع منها بلا تكلف ، ففي المدونة ومن رفع بناءه وفتح كوى يشرف منها على جاره منع وكتب عمر رضي الله تعالى عنه في هذا أن يوقف على سرير ، فإن نظر إلى ما في دار جاره منع وإلا فلا يمنع ، وقال مالك رضي الله تعالى عنه يمنع من ذلك ما فيه ضرر ، وأما لا ينال النظر منه إلا بتكلف فلا يمنع عياض المراد بالسرير السرير المعلوم ، ومثله الكرسي وشبهه لا السلم لأن في وضعه إيذاء والصعود عليه تكلف لا يفعل إلا لمهم ولا يسهل صعوده لكل أحد ، ومعنى قوله إن نظر إلخ أي اطلع من الكوة واستبان منها من دار الآخر الوجوه ، فإن لم يستبن الوجوه فليس ذلك ضررا أبو الحسن قول مالك ما فيه ضرر ، أي سواء كان بسرير أو غيره .

الثاني : ابن ناجي ظاهر قول الرسالة فلا يفعل ما يضر بجاره ومن فتح كوة قريبة يكشف جاره منها ، وإن كان يشرف منها على بستان جاره فإنه يمنع ، وهو أحد نقلي ابن الحاج في نوازله . قال ولا خلاف أن له أن يطلع على المزارع .

الثالث : المستند إلى ما يسد بالحكم تزال شواهده فتقلع عتبة الباب لأنها إن تركت وطال الزمان ونسي الأمر كانت حجة للمحدث على أنه إنما غلقه ليعيده متى شاء . وحكى ابن رشد في كيفية قطع ضرر الاطلاع قولين ، أحدهما وجوب الحكم بسده وإزالة أثره خوف دعوى قدمه لسماع أشهب . الثاني عدم وجوب سده والاكتفاء بجعل ما يستره أمامه قاله ابن الماجشون المتيطي إذا حكم بسد الباب أزيلت أعتابه وعضائده حتى لا يبقى له أثر قاله سحنون .

الرابع : ابن فرحون من أحدث ضررا على غيره من اطلاع أو خروج ماء مرحاض قرب جداره أو غيرها من الأحداث المضرة وعلم بذلك ولم ينكره ، ولم يعارض فيه عشرة أعوام ونحوها ، بلا عذر مانع من القيام فلا قيام له بعدها ، وهو كالاستحقاق ، هذا مذهب ابن القاسم . وقال أصبغ لا ينقطع القيام في إحداث الضرر إلا بعد سكوت عشرين سنة ونحوها وبالأول القضاء . ابن رشد اختلف في حيازة الضرر المحدث فقيل [ ص: 322 ] لا يحاز أصلا ، وإليه ذهب ابن حبيب ، وقيل يحاز بما تحاز به الأملاك عشرة أعوام ونحوها ، قاله أصبغ ، وقال أيضا لا يحاز إلا بعشرين سنة ونحوهما . وكان ابن زرب يستحسن فيه خمسة عشر عاما . وروي عن ابن الماجشون ، وقال سحنون يحاز بأربع سنين لأن الجار قد يتغافل عن جاره في نحو السنتين . وقيل إن كان ضرره بحد واحد فهو الذي يحاز بالسكوت ، وإن كان يتزايد كالمطمور إلى جانب الحائط فلا يحاز . وبالله التوفيق .

الخامس : من أحدث عليه ضرر في ملكه فباعه بعد علمه فهل ينتقل للمشترى ما كان للبائع أم لا ، قولان وقيل يفرق بين كون بيعه بعد خصامه فللمشتري القيام وكونه قبله فلا قيام له ، وعلى هذا اقتصر في الشامل فقال وحل مبتاع محل بائع خاصم ، وباع قبل الحكم لا قبل قيامه .




الخدمات العلمية