الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقضي على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر أو يبيع :

التالي السابق


( وقضي ) بضم فكسر ، أي حكم ( على ) شخص ( شريك ) امتنع من العمارة ( فيما ) أي عقار ( لا ينقسم ) كحمام وبرج احتاج للعمارة ، وصلة قضي ب ( أن يعمر ) بضم ففتح فكسر مثقلا مع شريكه الداعي للعمارة ( أو ) بأن ( يبيع ) نصيبه منه لمن يعمر .

عب والمعنى يأمره القاضي بالتعمير بلا حكم عليه بها ، فإن أبى حكم عليه بالبيع فالقضاء [ ص: 302 ] إنما هو بشيء معين وهو البيع ، فاستعمله المصنف بمعنى الأمر بالنسبة للتعمير ، وبمعنى الحكم بالنسبة للبيع ، فأو للتنويع ولا يتولى القاضي البيع . طفي ظاهر المصنف أنه يقضي عليه بأحدهما وليس كذلك ، إلا أن يقال المراد بالقضاء الأمر ، أي يؤمر بأحدهما فيكون كقول ابن الحاجب والمشترك مما لا ينقسم يلزم أن يعمر أو يبيع وإلا باع الحاكم عليه بقدر ما يعمر ا هـ .

ابن عرفة وإن ادعى أحد شريكين ما لا ينقسم لإصلاحه أمر الآبي به ، فإن أبى ففي جبره على بيعه لمن يصلحه أو يبيع القاضي عليه من حظه بقدر ما يلزمه من العمل فيما يبقى من حقه بعدما يباع عليه منه ، ثالثها إن كان مليا جبر على الإصلاح ، وإلا فالأول لابن رشد عن ابن القاسم ومالك وسحنون ثم ذكر ما تقدم عن ابن الحاجب ، واعترضه بأنه خلاف الأقوال الثلاثة لأن القول ببيع بعض حظه إنما ذكره ابن رشد مرتبا على إبايته من الإصلاح فقط لا عليها مع إبايته عن بيعه ممن يصلح ، وهو في نقل ابن الحاجب مرتب عليهما معا ، فهو إن صح قول رابع ا هـ .

البناني والظاهر لمن تأمله أن ما قاله ابن الحاجب هو القول الثاني في كلام ابن رشد ، لأن المطلوب إذا لم يصلح وأراد البيع لا يمنع منه ، لكن مقتضى كلام ابن عرفة في بحثه مع ابن رشد ترجيح القول الأول الذي مشى عليه المصنف والله أعلم .

الحط واستثني من ذلك العين والبئر المشتركان ، وقد قسمت أرضهما ولم يكن عليهما زرع ولا شجر مثمر يخاف عليه ، فإنه لا خلاف أن الآبي من العمل لا يلزم به ، ويقال لصاحبه أصلح ولك الماء كله أو ما زاد بعملك إلى أن يأتيك صاحبك بما عليه مما أنفقته ، قاله ابن رشد . وقال ابن يونس ظاهر كلام سحنون أنه يجبر على أن يعمل أو يبيع ممن يعمل وإن كان مقسوما ، ثم قال ابن رشد وأما إن كان عليها شجر أو زرع فقال ابن القاسم ذلك كما إذا لم يكن عليها شيء . وقال ابن نافع والمخزومي إن الشريك في العين والبئر يجبر على أن يعمر معه أو يبيع نصيبه ممن يعمر كالعلو لرجل والسفل [ ص: 303 ] لآخر فينهدم وهو نظير غير صحيح ، إذ لا يقدر صاحب العلو أن يبني علوه حتى يبني صاحب السفل سفله ، ويقدر الذي يريد السقي من البئر المشتركة بينهما إذا انهدمت أن يصل إلى ما يريد من السقي بأن يصلح البئر ، ويكون أحق بجميع مائها إلى أن يأتيه صاحبه بما ينوبه من النفقة ، فقول ابن القاسم أصح من قول ابن نافع والمخزومي والله أعلم .

( فروع ) : الأول : إذا كان أحد الشريكين غائبا ، فإن القاضي يحكم على الغائب بالبيع إن لم يجد له من ماله ما يعمر به نصيبه نقله البرزلي .

الثاني : إذا كان المشترك لا يقبل القسمة كفرن ثم خرب وصار أرضا تقبل القسمة ، فإنه يقسم نقله البرزلي عن بعض فقهاء إسكندرية .

الثالث : في العتبية سئل سحنون في رجلين لهما سفينة ، فأراد أحدهما أن يحمل في نصيبه منها متاعا وليس لصاحبه شيء يحمله في نصيبه ، فقال الثاني للأول لا أدعك تحمل فيها شيئا إلا بكراء . وقال الأول إنما أحمل في نصيبي ، قال فله أن يحمل في نصيبه ولا يقضى عليه لشريكه بكراء ، فأما أن يحمل في نصيبه مثل ما يحمل صاحبه من الشحن والمتاع ، وإلا بيع المركب عليهما . ا هـ . ونقله اللخمي ، وزاد ولو أوسق أحدهما ولم يجد الآخر ما يوسق لكان لهذا أن يسفر المركب ولا مقال لشريكه في كراء ولا بيع ، لأنه وسقه بحضرة صاحبه ، وذلك إذن بتسفيره تلك الطريق ولو كان غائبا حين أوسق ولما حضر أنكر ولم يجد كراء لكان له أن يدعوه إلى بيعه ، فإن صار لمن أوسقه أقر وسقه ، وإن صار للغائب أو لأجنبي أمر أن يحط وسقه إلا أن يتراضوا على كراء فيترك وهذا إذا كان يتوصل إلى معرفة حال المركب تحت الماء . ا هـ . ونقله ابن عرفة .

وأجاب ابن رشد بأن الذي لم يجد ما يحمله في نصيبه أن يأخذ من شريكه حصته من الكراء ، وله منعه من السفر حتى يعامله عليه أو ينفصلا ببيعه وقسمة ثمنه . البرزلي والدواب والعبيد كالمركب . الحط والظاهر أنه لا معارضة بين كلام اللخمي وابن رشد ، [ ص: 304 ] لأن حاصل كلام اللخمي أنه لا يقضي الشريك الذي لم يجد ما يحمله بكراء على الآخر ولا يمنعه من السفر مطلقا ، ولا يقضي للآخر بالسفر به مطلقا ، بل إما أن يتراضيا على كراء أو على شيء وإلا بيع عليهما والله أعلم .

الرابع : إذا زرع أحد الشركاء في بعض الأرض المشتركة بغير إذن شريكه ، ففي سماع عيسى إذا كان الشريك حاضرا فإنه يحلف بالله ما تركه راضيا بزرعه ، ونقله في النوادر .

الخامس : ابن يونس في مركب بين شخصين نصفين خرب أسفله حتى صار لا ينتفع به فأصلحه أحدهما بغير إذن شريكه ، قال فالشريك بالخيار إما أن يعطيه نصف ما أنفق ويكون المركب بينهما أو يأخذ من شريكه نصف قيمته خربا إن شاء شريكه ذلك ، فإن أبيا فللذي أنفق بقدر ما زادت نفقته مع حصته الأولى ، فإن كانت قيمته خربا مائة ومصلوحا مائتين فللذي أنفق ثلاثة أرباعه . ابن يونس والذي أرى أن شريكه يخير بين أن يعطيه نصف ما أنفق أو نصف ما زاد في المركب ، ويشتركان فيه بقدر ما زاد لأن له أن يقول له بع الآن وخذ ما زاد .




الخدمات العلمية