الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 158 ] وإن صالح مقطوع ، ثم نزي فمات : فللولي لا له رده ، والقتل بقسامة كأخذهم الدية في الخطأ

[ ص: 158 ]

التالي السابق


[ ص: 158 ] وإن ) جنى شخص عمدا عدوانا بقطع أو جرح و ( صالح ) شخص ( مقطوع ) عضوه أو مجروح عمدا عدوانا قاطعه أو جارحه بمال عن القطع أو الجرح فقط ( ثم نزي ) بضم النون وكسر الزاي المعجمة ، أي سال دم المقطوع ( فمات ) المقطوع ( فللولي ) أي مستحق دم المقطوع أو المجروح الذي مات واحدا كان أو متعددا ( لا له ) أي القاطع ( رده ) أي المال المصالح به للقاطع أو الجارح ( و ) القصاص أي ( القتل ) للقاطع ( بقسامة ) بفتح القاف ، أي خمسين يمينا يحلفها الولي لمن قطعه مات لأن الصلح إنما كان عن القطع وقد كشف الغيب أن الجناية على نفس كاملة وأقسموا لتأخر الموت عن القطع وله إمضاء مصلح المقطوع بما وقع به وليس له حينئذ إتباع القاطع بشيء زائد عليه فيها من قطعت يده عمدا فصالح القاطع على مال ثم نزي فمات فللأولياء أن يقسموا أو يقتلوا ويردوا المال ويبطل الصلح ، وإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي أخذوه في قطع اليد ا هـ .

وشبه في تخيير الولي فقال ( ك ) صلح مقطوع يده مثلا خطأ أو مجروح بموضحة مثلا خطأ ثم نزي فمات فيخير أولياؤه بين القسامة على أنه مات من قطعه أو جرحه و ( أخذهم ) أي أولياء المقطوع أو المجروح ( الدية ) الكاملة للنفس من عاقلة الجاني ( في ) جناية ( الخطإ ) ويرجع بما صالح به وعليه من الدية ما على واحد من عاقلته وبين إمضاء الصلح بما وقع به وأعاد ضمير الجمع على الولي المفرد به الجنس الصادق بمتعدد ، وكلام المصنف في الصلح على الجرح دون ما يئول إليه وإلا منع في الخطإ وكذا في عمد فيه قصاص على ما استظهره الحط ، وهو أحد قولين يأتيان في المتن .

وأما ما لا قصاص فيه فإن وقع عليه وعلى ما يئول إليه حتى الموت امتنع أيضا ، وإن وقع عليه وعلى ما يئول إليه دون الموت فإن كان فيه شيء مقدر ففي جوازه قولان ، وإن كان لا شيء فيه مقدرا لم يصالح عليه ، إلا بعد برئه قاله عب البناني قوله وإلا منع [ ص: 159 ] في الخطإ إلخ ، أي اتفاقا إن لم يبلغ الثلث وعلى أحد القولين إن بلغ ثلث الدية ونص ابن رشد على اختصار ابن عرفة الصلح في الجراحات على تراميها للموت في الخطإ ، فيما دون الثلث كالموضحة لا يجوز اتفاقا لأنه لا يدري يوم الصلح ما يجب عليه ، ويفسخ إن وقع ، فإن برئ ففيه أرشه ، فإن مات فالدية على عاقلته بقسامة ، وفيما بلغ الثلث في منعه وجوازه نقلا ابن حبيب مع قول صلحها والجواز فيه أظهر ، وما لا قود فيه لا يجوز على تراميه للموت قاله ابن حبيب ، وعلى الجرح دون تراميه للموت أجازه ابن حبيب فيما فيه عقل مسمى ، قال مرة عليه وعلى ما ترامى إليه دون الموت ، ومرة قال عليه فقط . ا هـ . وقد نقل " ح " كلام ابن رشد مبسوطا فانظره . [ ص: 160 ] فقول " ز " على ما استظهره الحط غير صواب لاقتضائه أنه استظهر المنع وليس كذلك ، [ ص: 161 ] بل المستظهر الجواز لا المنع ، والذي استظهره هو ابن رشد كما تقدم لا " ح " فانظره . ونص " ح " قوله وإن صالح مقطوع ثم نزي فمات فللولي لا له رده والقتل بقسامة كأخذهم الدية في الخطإ . قال في كتاب الصلح من المدونة ومن قطعت يده عمدا فصالح القاطع على مال أخذه ثم نزي فيها فمات فللأولياء أن يقسموا ويقتلوا ويردوا المال ويبطل الصلح ، فإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي أخذوا في قطع اليد ، وكذلك لو كانت موضحة خطأ فلهم أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة ، ويرجع الجاني فيأخذ ماله ويكون في العقل كرجل من قومه ، ولو قال قاطع اليد للأولياء حين نكلوا عن القسامة قد عادت الجناية نفسا فاقتلوني وردوا المال فليس له ذلك ، ولو لم يكن صالح فقال ذلك لهم وشاء الأولياء قطع اليد ولا يقسمون فذلك لهم ، وإن شاءوا أقسموا وقتلوه . ا هـ . وإلى قوله ولو قال قاطع اليد إلخ أشار المصنف بقوله لا له .

وقوله فيها نزي قال أبو الحسن أي تزايد وترامى إلى الهلاك ، وأصله من زيادة جريان الدم . ثم قال وهذا إذا وقع الصلح على الجرح دون ما ترامى إليه وفيها ثلاثة أقوال هذا ، والثاني أنه ليس لهم التمسك بالصلح لا في الخطإ ولا في العمد . والثالث الفرق بين [ ص: 162 ] العمد فيخيرون فيه والخطإ فلا يخيرون ، وليس لهم إلا التمسك به ذكرها ابن رشد ، وعزا الثالث لابن القاسم في المدونة ونقل كلامه المصنف وابن عرفة .

قلت ونص المدونة المتقدم كالقول الأول خلاف ما عزاه ابن رشد ، قال وأما إذا صالح على الجرح وما ترامى إليه فقال ابن رشد فيه تفصيل . أما جرح الخطإ الذي دون الثلث كالموضحة فلا خلاف أن الصلح فيه على ما ترامى إليه من موت أو غيره لا يجوز لأنه . إن مات كانت الدية على العاقلة فهو لا يدري يوم صالح ما يجب عليه مما لا يجب عليه ، وإن وقع الصلح على ذلك فسخ متى عثر عليه واتبع فيه مقتضى حكمه لو لم يكن صلح ، فإن برئ فعليه دية الموضحة . وإن مات فالدية على العاقلة بقسامة وإن بلغ الجرح ثلث الدية ففيه قولان ، أحدهما . أنه لا يجوز وهو قوله في هذه الرواية ، وظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة . والثاني : أنه جائز .

وأما جرح العمد فما فيه القصاص فالصلح فيه على وضع الموت جائز على ظاهر ما في صلح المدونة ، وما نص عليه ابن حبيب في الواضحة خلاف ما في هذه الرواية ، والجواز فيه أظهر لأنه إذا كان للمقتول العفو عن دمه قبل موته جاز صلحه عنه بما شاء .

وأما جرح العمد الذي لا قصاص فيه فلا يجوز الصلح فيه على الموت حكاه ابن حبيب ولا أعرف فيه نص خلاف . وأما الصلح فيه على الجرح دون الموت فأجازه ابن حبيب فيما له دية مسماة كالمأمومة والمنقلة والجائفة . قال في موضع الصلح فيه جائز على ما ترامى إليه بما دون النفس . وقال في موضع آخر لا يجوز إلا فيه بعينه لا على ما ترامى إليه من زيادة لا يجوز الصلح فيما لا دية له مسماة إلا بعد البرء ، فهذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة .




الخدمات العلمية