الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الثالث من الكتاب : في حكم العقد قبل القبض وبعده ، وفيه نظران :

                                                                                                                النظر الأول : في الإقباض والقبض وما يتعلق بهما :

                                                                                                                والإقباض بالمناولة في العروض أو النفوذ ، وبالوزن والكيل في الموزون والمكيل وبالتمكين في العقار والأشجار ، أو بالنية فقط كقبض الوالد وإقباضه من نفسه لنفسه ، والقبض هو الاستيلاء إما بإذن الشرع وحده كاللقطة والثوب إذا ألقاه الريح في دار إنسان ، ومال اللقيط ، وقبض المغصوب من الغاصب إذا قبضه من يزيل منكرا من حاكم ، أو غيره ، وقبض أموال الغائبين أموال بيت المال والمحجور عليهم والزكوات ، أو بإذن غير الشرع كقبض المبيع بإذن البائع والمبتاع ، [ ص: 121 ] والبيع الفاسد ، والرهون والأثمان والصدقات ، والعواري ، والودائع ، أو بغير إذن الشرع وغيره كقبض الغاصب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : القبض يوجب انتقال الضمان إلى المشتري فيما لا يضمن بمجرد العقد ، إما مطلقا أو شرط مضي زمان ليتسع القبض على الخلاف في ذلك فيما فيه حق توفية كالمكيل أو الموزون أو المعدود ، وما كان غائبا عن العاقدين حالة العقد على التفصيل المتقدم ، وما بيع من الثمار على رءوس النخل قبل كمال الطيب ، ويستثنى الرقيق حتى يخرج من عهدة الثلاث والمواضعة في الإماء ، وما عدا ذلك فالعقد كاف في انتقال الملك في المتعين المتميز ، قال المازري : هذا نقل أصحاب المذهب ، قال : والذي يتحقق من المذهب أن تمكين المشتري من القبض ثم تركه اختيارا يوجب ضمانه ، ويكون عند البائع كالوديعة وفيه خلاف ، وقال ( ش ) : الضمان قبل القبض من البائع سواء عرضه على المشتري أم لا ; لأن اليد التي ليست للأمانة ضامنة إذا لم يتقدمها ضمان ، فأولى البائع ; لأن ضمانه لسلعته متقدم ، وقال ابن حنبل : هي أمانة في يد البائع ; لأن العقد قابل والمشتري تارك لها عند البائع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب البيان : إذا اشترى ثوبا فحبسه بالثمن فادعى تلفه ، قال ابن القاسم : يفسخ البيع إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن فيغرمها ; لأنه متهم ، [ ص: 122 ] ويصدق في الحيوان الذي لا يغاب عليه ، وقال أيضا : عليه قيمة الثوب ما كانت ، قال : والمشهور من قوله : إن المحبوس بالثمن رهن ، وقوله في هذه المسألة مخالف لتضمينه البائع ، وأنه متى ذهبت عينه انفسخ البيع ، وهو قول مالك وجميع الأصحاب إلا ابن القاسم لعدم ترتب أثر العقد عليه ، وإذا فسخنا فيعيد الثمن إلا أن يصدقه المبتاع إلا أن تكون القيمة أكثر فيلزم بها ، أو يأتي بالمبيع .

                                                                                                                وكذلك تصديقه في الحيوان مع يمينه ويفسخ البيع على القول بأنه رهن فيكون في المحبوس بالثمن قولان ، وإذا لم تقم البينة أربعة أقوال : يصدق مع يمينه كانت القيمة ما كانت ، ويفسخ البيع ، قاله سحنون ، ويصدق مع يمينه ، ويفسخ البيع إلا أن تكون القيمة أكثر قاله ابن القاسم ، ويصدق مع يمينه ، ويثبت البيع ، وعليه القيمة ما كانت وهو الذي يأتي على مشهور ابن القاسم ; لأن العقد اقتضاء انتقال الملك ويصدق مع يمينه إلا أن تكون القيمة أقل فيتهم في دفعها وأخذ الثمن ، وقال ( ش ) و ( ح ) : تلف المبيع قبل القبض بأمر سماوي ، أو بجناية البائع يبطل البيع ; لأن القبض من تتمة البيع لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يقبض . وإذا لم يتم البيع بطل .

                                                                                                                وجوابه : أنه عليه السلام جعل الخراج بالضمان ، فلو كان مضمونا على البائع لكان خراجه له ، وليس كذلك اتفاقا ، ثم إنا نمنع أن القبض تتمة البيع ، بل البيع تم ومن آثاره استحقاق القبض ، وقال ابن حنبل : المتلفات في [ ص: 123 ] ضمان البائع ولو كانت خراجا ، والتلف بالأمر السماوي فسخ ، وبفعل البائع أو الأجنبي يخير المشتري بين الفسخ والإمضاء وأخذ القيمة أو المثل إن كان مثليا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا أقر المشتري في العقار للبائع باليد والملك قال سحنون : لا يلزمه أن يجوزه المبيع ; لأن العقد كاف في انتقاله ، قال : والصواب أن يلزمه كما إذا أقر له بالملك دون اليد ، فإنه قد ينازعه وكيل البائع أو قريبه في تصديق ما يدعيه من البيع ، ومصيبة الاستحقاق في الوجهين من المشتري عند ابن القاسم لإقراره بالملك ، وخالف أشهب ; لأن الإقرار لا يكون عن ظن يبطل ، وإن أقر باليد دون الملك لا يلزم البائع التجويز على قول سحنون ، والصواب : اللزوم كما تقدم ، ومصيبة الاستحقاق من البائع لعدم الإقرار بالملك ، وإن لم يقر باليد ولا بالملك لزمه التجويز ، وإنزاله فيه اتفاقا ، ومصيبة الاستحقاق من البائع والطارئ بعد العقد وقبل القبض من هدم ، أو غيره من المشتري إلا على قول أشهب : إن السلعة المبيعة من البائع إن قبض الثمن وطال الأمر ما لم يقبضها المبتاع أو يدعوه البائع فيأبى ، ولهذا الخلاف يكتب في الوثائق ونزل المبتاع فيما ابتاع وأبرأ البائع من درك الإنزال لحصول الاتفاق على البراءة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية