الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الرابع من الكتاب : في مقتضيات الألفاظ لغة وعرفا وهي عشرة ألفاظ :

                                                                                                                الأول : في الجواهر : لفظ التولية يقتضي نقل المالك إذا قال : وليتك ، وبهذا العقد انتقل الملك إليه بالثمن الذي تقرر ، وهو ملك متجرد ، والعلة المتجددة الأولى ; لأنه كان ضامنا ، وتتجدد الشفعة بحدثان هذا البيع ، ولوحظ على المولي بعض الثمن سقط عن المولى ; لأنه في الثمن كالبناء ، وفي نقل الملك كالابتداء .

                                                                                                                اللفظ الثاني : الشركة ، وفي الجواهر : إذا قال : أشركتك في هذا العقد : حمل على النصف على المنصوص لابن القاسم ; لأن التساوي هو الأصل .

                                                                                                                اللفظ الثالث : الأرض ، ففي الجواهر : تندرج تحتها الأشجار والبناء دون الزرع الظاهر ، كمأبور الثمار ، فإن كان كامنا اندرج على أحد الروايتين .

                                                                                                                وتندرج الحجارة الخلوقة فيها دون المدفونة إلا على القول بأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها .

                                                                                                                وقال ( ش ) : لا يندرج في لفظ الأرض البناء الكثير ، ولا الغرس ، ويندرج في لفظ الدار : الخشب المسمر ، والسلم المنتقل ، ويندرج المعدن في لفظ الأرض ; لأنه من أجزائها ، بخلاف الكنز والحجارة المدفونة ، وقال ابن حنبل : يندرج في الأرض البناء والغرس .

                                                                                                                وفي الدار الأبواب والخوافي المدفونة ، والرفوف المسمرة ، وما هو من مصالحها دون الحجر المدفون ; لأنه كالوديعة ، وتندرج الحجارة المخلوقة فيها والمعادن دون الكنوز ، قال [ ص: 156 ] صاحب البيان : إذا ظهر الزرع فللبائع إلا أن يشترطه المبتاع ، ومنع مالك بيع الأرض فيها بزر بأرض ليس كذلك في المدونة ، وجوزه سحنون ، وجوز أيضا بيعها وفيها بزر بطعام نقدا أو إلى أجل ; لأنه لا حصة له من الثمن عنده .

                                                                                                                اللفظ الرابع : البناء ، وفي الجواهر : تندرج فيه الأرض .

                                                                                                                اللفظ الخامس : البستان ، والحديقة ، والجنان يستتبع الأشجار ، وقاله ( ش ) .

                                                                                                                اللفظ السادس : لفظ الدار ، ففي الجواهر : يندرج فيه الثوابت ومرافق البناء كالأبواب والأشجار والرفوف والسلم المثبت دون المنقولات .

                                                                                                                اللفظ السابع : لفظ العبد ، وفي الجواهر : لا يتناول ماله ، ويتناول ثيابه عليه إذا أشبهت مهنته ، فلو اشترط تسليم الأمة عريانة سقط الشرط وعليه مواراتها ; لأنه شرط محرم .

                                                                                                                اللفظ الثامن : لفظ الشجر ، ففي الجواهر : تندرج تحته الأرض والأغصان والأوراق والعروق ، واستحقاق البقاء مغروسا ، والثمرة غير المؤبرة دون المؤبرة ، وكل ثمرة ظهرت للناظر ، وقال ابن حنبل : لا تندرج الأرض في الشجر لتباين الاسم ، ولا هي تبع في البيع ، وبقولنا في الثمار قال الشافعي وابن حنبل ، وقال ( ح ) : للبائع مطلقا إلا أن يشترطها المبتاع ; لأنها لا يجوز إفرادها بالبيع فلا تتبع أصلها كالمؤبرة .

                                                                                                                وجوابه : إفراد الشيء بالعقد لا يوجب عدم التبعية ، كسقف الدار وعرصتها ، ثم لو سلمنا حجة القياس فهو معارض بما في الموطأ قال عليه [ ص: 157 ] السلام : ( من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ) ومفهومه يقتضي : إذا لم تؤبر للمبتاع ، ولأنه عليه السلام إنما جعلها للبائع بشرط الإبار ، فإن انتفى الشرط انتفى المشروط ، فالأول مفهوم الصفة ، والثاني مفهوم الشرط ، وهذا ضعيف من جهة أصحابنا ، فإن الحنفية لا يرون المفهوم حجة فلا يستدل عليهم به ، بل نقيس الثمرة على الجنين إذا ظهر لن يتبع الأصل ، وإلا تبع ، أو نقيسها على اللبن قبل الحلاب ، واستتار الثمار في الكمام كاستتار الأجنة في الأرحام واللبن في الضروع ، أو نقيسه على الأغصان والورق ، أو نوى التمر ، وهذه الأقيسة أقوى من قياسهم بكثير ; لقوة جوامعها وضعف جوامعهم .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب الإكمال : الإبار : تذكير الأشجار بجعل طلع الذكر في الأنثى ، أو يعلق عليها لئلا يسقط ثمرها ، وهو اللقاح أيضا ، تقول : أبرت النخل أبر بضم الباء في المستقبل ، مخفف الباء وأبرته ، مشدد الباء ، وقال ابن حبيب : الإبار : شق الطلع عن الثمر ، وقال بعض اللغويين في غير الإكمال : والإبار والتلقيح : شق الثمرة وظهورها ; لأنه لا يكون إلا عند ذلك ، وأجمع العلماء على أن مجرد التلقيح ليس معتبرا ، وإنما المعتبر الظهور ويقال : أبرت النخلة أبرها بالتخفيف أبرا وإيبارا ، وأبرتها بالتشديد تأبيرا وتأبرت النخلة وأبرت ، وبقول ابن حبيب قال الشافعية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب الإكمال : المشهور ، منع اشتراط البائع ما لم يؤبر ، وعلى القول بأن المستثنى غير مبيع يجوز ; لأن غير المؤبر كالجنين ، قال صاحب البيان :

                                                                                                                [ ص: 158 ] يمتنع عند مالك وجميع أصحابه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : الأقل أبدا تبع للأكثر في التأبير وعدمه ، شائعا كان أو غير شائع ، فإن تقاربا في التأبير وعدمه ، وكل واحدة على حدة استقل كل بحكم نفسه ، فإن كان التأبير وعدمه في كل نخلة فأربعة أقوال : يخير البائع بين تسليم الحائط بثمرته ، وبين أخذه ، وفسخ البيع ، قاله ابن القاسم لضرر الشركة ، ويفسخ البيع إلا بشرط الثمرة للمبتاع لانعقاده على فساد المنازعة ، فالجميع للمشتري تغليبا لنقل العقد ، أو الجميع للبائع تغليبا للاستصحاب لابن حبيب ، وفي الجواهر : روي إذا أبر أكثرها أن غير المؤبر للمبتاع نظرا للعقد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال الشافعية والحنابلة الثمرة خمسة أضرب : ذو كم كالقطن ، وما يقصد نواره كالورد والياسمين فإنه يظهر من أكمامه ثم ينفتح فيظهر فهو حينئذ للبائع .

                                                                                                                الثاني : ما لا نور له ولا قشر كالتين والتوت والجميز ; لأن ظهوره من الشجر كظهور الثمرة من الكم ، الثالث : ما يظهر في قشره إلى حين أكله كالرمان والموز فللبائع بنفس الظهور ; لأن قشره من مصلحته ، الرابع : ما يظهر في قشرته كالجوز واللوز فللبائع بنفس الظهور ; لأن قشره لا يزول عنه غالبا ، والخامس : ما يظهر نوره ثم ييبس فتظهر الثمرة كالتفاح والمشمش والإجاص والخوخ ، فإذا ظهرت الثمرة فللبائع . وهذا تفصيل حسن لم أره لأصحابنا ، وما أظنهم يخالفون فيه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : قال عبد الملك : النخل التي لا تؤبر إذا انصلح طلعه وظهر [ ص: 159 ] إغريضه وبلغ مبلغ الإبارة في عهد ، فللبائع إلا أن يستثنيه المبتاع .

                                                                                                                قال : ليس لمشتري الأشجار تكليف البائع قطع الثمار إلا إلى أوان القطاف لقضاء العادة بذلك ، ولكل واحد سقي الشجر إذا احتاج إليه إلا أن يتضرر صاحبه بذلك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية