الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 378 ] فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : قال مالك : يجوز دفع الثوب للخياط ، وتراضيه بعد الفراغ على الأجرة لذهاب الغبن ، وعنه : المنع في الجعالة والإجارة بغير تسميته للجهالة عند العمل بما يتراضيان به بعده .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا قلت : أخيطه بدرهم ، وقال : بدرهمين ، فخاطه ، فليس له إلا درهم ، قال ابن القاسم : لأنك أعلمته بما ترضى به ، وكذلك يلزم قول ساكن الدار .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : إذا ألقيت متاعك بفلاة للعجز ، فحمله رجل بنفسه ، فلك أخذه وإعطاء أجرة المثل ، وكذلك الدابة لربها أخذها وإعطاء النفقة ، ولا شيء عليه في قيامه عليها ; لأنه قام لنفسه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز كراء الدابة على أن عليك رحلها أو نقلها أو علفها وطعام ربها ، أو على أن عليه طعامك ذاهبا وراجعا ، وإن لم توصف النفقة ; لأنه معلوم عادة ، أو كذلك إجارته بكسوته أجلا معلوما ، قال ابن يونس : لو وجده أكولا له فسخ الإجارة ; لأنه عيب ، إلا أن يرضى الأجير بالوسط ، وليس لك إطعامه الوسط إذا لم يرض ; لأن ذلك مهلكة ، وقيل : يطعمه الوسط لأنه العادة ، كمن أجر على حمل رجلين فأتاه بقارحين ، يردها أو يحمل الوسط ، والفرق : أن المحمول لا يتعين ; لأنه لو مات لم يفسخ الكراء ، ولو تزوجها فوجدها أكولة لم يفسخ النكاح ; لأن المرأة لا ترد بغير العيوب الأربعة [ ص: 379 ] من العيوب ، والكراء بطعام مضمون لا يعين له أجل ولا موضع قبض ولا عادة ، فاسد ، ومنع ( ش ) الأجرة بالمؤنة والكسوة وبعمارة الدار ، قياسا على البيع ، وجوزه أحمد ، وخص ( ح ) الجواز بالظئر إلحاقا بالزوجات .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يمتنع الكراء بمثل ما يتكارى الناس للجهالة ، فلعله لو اطلع لم يرض .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إذا دفع خمسين جلدا لتدبغ بخمسين أخرى جاز إن شرط تعجيلها ، وإن شرط تأخيرها حتى تدبغ امتنع ; لأنه معين يتأخر قبضه ، وإن سكت منعه ابن القاسم ; لأن الأجرة لا تستحق إلا بعد العمل ، وعلى قول ابن حبيب : يجوز ويتعجل القبض نفيا للغرر ، ويجوز نصف هذه المائة بنصفها ، ويتعجل النصف إن كانت مستوية في القيمة ، وإلا امتنع للجهل بما يدفع من العدد لا للجهل بالأجرة ; لأن بيع نصفها جائز على الشياع ، فإن قاسمه ودفع جميعها فله ما أخذه بقيمته يوم قبضه بعد القسمة ، وله أجرة المثل في البعض الآخر ، أو دبغ هذه المائة بنصفها يمنع اتفاقا ; لأن الجميع يدبغ على ملك المؤاجر ، وله النصف بعد الدباغ ، فإن شرع في العمل مكن من التمادي ، فإن نزعها مضرة ، وكذلك نسج البرد بنصفه فإن فاتت في يديه بعد الدباغ بحوالة سوق فما فوقه وقد دبغت على أنه شريك فيها : ضمن نصف قيمتها يوم الفراغ ، ويختلف إذا قال : لك نصفها من اليوم على أن تدبغ جميعها ، فشرع في الدباغ : هل يكون ذلك فوتا ويضمن نصف قيمتها أو ليس بفوت ; لأنه غير متمكن من ذلك النصف لما ألزمه أن يدبغه ؟ قال : والأول أبين .

                                                                                                                [ ص: 380 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : أكر هذه الدابة ولك نصف الكراء ، يمتنع للجهالة ، والكراء لك ، وله أجرة مثله إذا عمل عليها ، وما حصل بيننا فالمتحصل له ، وعليه كراء المثل ; لأنه هاهنا مستأجر ، وفي الأول أجير ، قال صاحب التنبيهات : اعمل عليها فما كان بيننا . أصله : أن كل ما يتنقل ويتولى هو النظر فيه فكما تقدم ، وما لا ينتقل وينظر فيه كالدباغ فهو أجير ، والمكسب لربه ، ويستوي فيه قوله : اعمل فيه أو آجره . فإن قال : اعمل لي عليها بزيادة قوله : ( لي ) : فعن ابن القاسم في رواية المدونة : كسبها للعامل ، وزيادتها كعدمها ، وفي الجلاب : زيادتها توجب الكسب لربها ; لأنه أضاف العمل لنفسه ، قال اللخمي : إذا قال : اعمل عليها ، فأكراها ، قال ابن القاسم : الكسب للمستأجر ، ولصاحبها أجرة المثل ، وفي كتاب الشفعة : الكراء لصاحبها لأن ضمان المنافع منه بخلاف البيع الفاسد . فإن قال : أكرها ولك نصف كرائها ، فأكراها للسفر وخرج معها أسواقا فله حصة السوق مع الكراء وأجرة المثل في تولي العقد ، إن كان تولى حفظها بعد انفصال الكراء وردها فله أجر آخر ، وقوله : في الشفعة : يعمل عليها ، سواء ، الكراء لربها وله أجرة المثل ; لأنه إنما يتولى الفعل ، ولو سافر بها بمتاعه فاكترى له ، ولصاحبها أجرة المثل ، وأما الحمام والفرن : فإن لم يكن فيهما دواب ولا آلات الطحن ، فالأجرة للعامل ، وعليه أجرة المثل ، وإن كانا بدوابهما ، وصاحبهما يشتري الحطب ، أو هما ، فالأجرة لصاحبها وللعامل أجرة المثل ; لأنه قيم فيهما ، وكذلك الفندق هو [ ص: 381 ] قيم فيه ، وقوله : أكره ، واعمل عليه ، سواء ، قال ابن يونس : إذا قال اعمل على الدابة وما حصل بيننا ، فعمل ولم يجد شيئا فعليه كراء المثل لاستيفائه العمل ، قال محمد : إن لم يسلم الدابة له بل عمل معه فالكسب لربها وعليه أجرة المثل ; لأنه أجير معه ، ويمتنع : احتطب على الدابة ولي نصف الحطب ، بخلاف لي نقلة ولك نقلة ; لأن مقدار النقلة معلوم عادة ، ومقدار الحطب يختلف بكثرة النقلات وقلتها ، وأجازهما يحيى بن سعيد ; لأن احتطاب الدابة في اليوم معلوم عادة ، وجوز ابن القاسم : اعمل عليها اليوم لي ولك غدا ، فإن عمل لنفسه اليوم ثم تعقب قبل العمل لربها فعليه كراء ذلك اليوم ، وإن بدأ بالعمل لربها ثم تعقب دفع أجرة عمله لذلك اليوم ، وقيل : إن بدأ بيوم الأجير أتاه بدابة أخرى توفية للعقد ، قال محمد : وإنما يجوز مثل هذا خمسة أيام بخلاف الشهر ; لأن الأجرة تتعجل بشرط تأخير القبض مدة طويلة وهو ممنوع ، ويجوز : أستأجرك أو دابتك : اليوم تنقل كذا بدابتي وأنقل لك غدا ، بخلاف : أعني بكسب دابتك اليوم ، وأعطيك ما تكسب دابتي غدا ، وكذلك لو كانت بينكما أو العبد ، قال مالك : ويجوز : أستخدمك أنت اليوم وأنا غدا ، أو شهرا بشهر ، ومنع محمد إلا في خمسة الأيام ونحوها ; لأنه أجرة بشرط التأخير في المعنى ، وفي النوادر : قال مالك : لا يدفع دابته بنصف ما يحطب . قال محمد : يريد بنصف الثمن ، وأما الحطب فيجوز ; لأن الحطب ينضبط المحصل منه عادة ، والأسعار تختلف .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية