الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون .

[61] وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد وذلك أنهم كرهوا وسئموا من أكل المن والسلوى، وإنما قال: طعام واحد، وهما اثنان; لأن العرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد، كما تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين; كقوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [الرحمن: 22] ، وإنما يخرج من المالح دون العذب. [ ص: 115 ]

فادع لنا فاسأل لأجلنا.

ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها والفوم: الخبز، أو الحنطة، وقيل: الثوم.

وعدسها وبصلها قال لهم موسى:

أتستبدلون الذي هو أدنى أخس وأردأ.

بالذي هو خير أشرف وأفضل، وجعل الحنطة أدنى في القيمة، وإن كان هو خيرا من المن والسلوى، وأراد به أسهل وجودا على العادة.

اهبطوا مصرا يعني: وإن أبيتم إلا ذلك، فانزلوا مصرا من الأمصار.

فإن لكم ما سألتم من نبات الأرض.

وضربت جعلت.

عليهم وألزموا.

الذلة الذل والهوان بالجزية، وهو ضد العز.

والمسكنة الفقر، سمي الفقير مسكينا; لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود -وإن كانوا أغنياء- كأنهم فقراء، فلا يرى في أهل المال أذل وأحرص على المال من اليهود. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف : (عليهم الذلة) و بهم الأسباب [البقرة: 166] وشبهه: بضم الهاء والميم في الوصل حيث وقع، ووافقهم يعقوب في (عليهم الذلة) وشبهه، ونافع، وابن عامر، وأبو جعفر، وابن كثير، وعاصم يكسرون الهاء، ويضمون الميم، وأبو عمرو [ ص: 116 ] يكسرهما، ووافقه يعقوب في بهم الأسباب [البقرة: 166] وشبهه.

وباءوا رجعوا.

بغضب من الله ولا يقال: باء إلا إذا رجع بشر.

ذلك الغضب.

بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله بصفة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وآية الرجم في التوراة، ويكفرون بالإنجيل والقرآن.

ويقتلون النبيين كشعيا وزكريا ويحيى. قرأ نافع (النبيئين، والنبيؤون، ونبيئهم، والأنبئاء، والنبوءة، والنبيء) بالمد والهمز حيث وقع، فيكون معناه المخبر من أنبأ ينبئ; لأنه إنباء عن الله، وخالفه قالون في حرفين في الأحزاب يأتي ذكرهما في محلهما -إن شاء الله تعالى-. وقرأ الباقون: بترك الهمز، وله وجهان: أحدهما: هو أيضا من الإنباء، تركت الهمزة فيه تخفيفا; لكثرة الاستعمال، والثاني: هو بمعنى الرفع، مأخوذ من النبوة، وهو المكان المرتفع.

بغير الحق أي: بلا جرم.

ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون يتجاوزون أمري، ويرتكبون محارمي. [ ص: 117 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية