الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 365 ] لا في كيمين ، ومعصية : كظهار

التالي السابق


وذكر مفهوم قابل النيابة فقال ( لا ) تصح الوكالة فيما لا يقبل النيابة ( كيمين ) وطهارة وصلاة وشهادة ومن اليمين الإيلاء واللعان . ابن شاس لا تجوز الوكالة في الشهادة والأيمان والإيلاء . ابن عرفة الاستقراء يدل على أن كل ما فيه حق للموكل أو عليه غير خاص به جاز فيه التوكيل ، وقولنا غير خاص به احترازا ممن وجبت عليه يمين لغيره فوكل غيره على حلفها فإنها حق عليه ولا يجوز فيه التوكيل لأن حلف غيره غير حلفه فهو غير الحق الواجب عليه ( و ) ك ( معصية ) كقتل عمد عدوان وسرقة وغصب . ابن شاس لا تجوز الوكالة في المعاصي كالسرقة وقتل العمد العدوان ( و ) ك ( ظهار ) .

ابن شاس لا تصح الوكالة بالظهار لأنه منكر من القول وزور ، وخرج ابن هارون عليه الطلاق الثلاث . وقال ابن عبد السلام الأقرب في الظهار أنه كالطلاق لأن كلا منهما إنشاء مجرد . ابن عرفة يرد قياسه الظهار على الطلاق وجمعه بمجرد الإنشاء بالفرق بأن الطلاق يتضمن إسقاط حق للموكل بخلاف الظهار .



( تنبيهان )

الأول : المسناوي الأفعال ثلاثة أقسام ما لا تحصل مصلحته إلا بمباشرة قطعا لكونه [ ص: 366 ] لا يشتمل على مصلحة بالنظر لذاته ، بل بالنظر لفاعله ، وما تحصل بدونها قطعا لاشتماله عليها باعتبار ذاته مع قطع النظر عن فاعله ، وهو ما تردد بينهما ، فاختلف في إلحاقه بأيهما ، مثال الأول الإيمان والصلاة والصوم واليمين ، إذ مصلحة الأيمان والصلاة والصوم إجلال الله تعالى وإظهار عبوديته ، وإنما تحصل من جهة فاعلها ومصلحة اليمين دلالتها على صدق حالفها ولا تحصل بحلف غيره ، ولذا لا يحلف أحد ليستحق غيره والنكاح بمعنى الوطء من الأول ، إذ مصلحته العفة وانتساب الولد ، ولا يحصل هذا بفعل الغير ، وبمعنى العقد من الثاني ، إذ مصلحته تحقق سبب إباحة الوطء وهو يتحقق بعقد الوكيل كتحققه بعقد الأصل . ومثال الثاني رد العارية الوديعة والمغصوب وقضاء الدين وأداء الزكاة ، فإن مصلحتها إيصال الحق لأهله ، وهذا يحصل بفعل الوكيل وإن لم يشعر الأصيل . ومثال الثالث الحج ، فمن رأى أن مصلحته تأديب النفس وتهذيبها وتعظيم شعائر الله تعالى في تلك البقاع وإظهار الانقياد لأمره تعالى ، وأن إنفاق المال فيه عارض يمكن بدونه كحج مستطيع المشي من أهل مكة ومنى وعرفة ونحوهم ألحقه بالقسم الأول لأن هذه المصالح لا تحصل بفعل النائب ، ومن رأى اشتماله على إنقاق غالبا ألحقه بالثاني .



الثاني القرافي في الفرق الخامس ومائة إن وقف الواقف على من يقوم بوظيفة الإمامة أو الأذان أو الخطبة أو التدريس ، فلا يجوز لأحد أن يتناول من ريع ذلك شيئا إلا إذا قام بذلك الشرط على مقتضى ما شرطه الواقف ، فإن استناب غيره في هذه الحالة عنه في غير أوقات الأعذار فإنه لا يستحق واحد منهما شيئا من ريع ذلك الوقف ، أما النائب فلأن من شرط استحقاقه صحة ولايته ومشروطة بكونها من ناظر ، وهذا المستنيب ليس ناظرا إنما هو إمام أو مؤذن أو خطيب أو مدرس فلا تصح الولاية الصادرة منه وأما المستنيب فلا يستحق شيئا أيضا لعدم قيامه بشرط الواقف ، فإن استناب في أيام الأعذار جاز له بتناول ريع الوقف ، وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع . ا هـ . وسلمه ابن الشاط والبيغوري [ ص: 367 ] وقال في التوضيح لما ذكر أن أجير الحج لا يجوز له صرف ما أخذه من الأجرة إلا في الحج ولا يقضي بها دينه ويسأل الناس وأن ذلك جناية منه لأنه خلاف غرض الموصي . وأشار إلى هذا في مختصره بقول وجنى إن وفى دينه ومشى ما نصه ، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول ومثل هذا المساجد ونحوها يأخذها الوجيه بوجاهته ، ثم يدفع من مرتباتها شيئا قليلا لمن ينوب عنه ، فأرى أن الذي أبقاه لنفسه حرام لأنه اتخذ عبادة الله تعالى متجرا ولم يوف بقصد صاحبها إذ مراده التوسعة ليأتي الأجير بذلك مشروح الصدر ، قال رحمه الله تعالى وأما إن اضطر إلى شيء من الإجارة على ذلك فإني أعذره لضرورته . ا هـ . ونقله في المعيار عن ابن الحاج في مدخله وهو شيخ المصنف و شيخ المنوفي .

المسناوي مقتضى قول المنوفي الذي أبقاه لنفسه حرام استحقاق النائب جميع المعلوم لأنه إنما حكم بالحرمة على ما أبقاه المستنيب لنفسه لا على ما أخذه النائب ، خلاف قول القرافي لا يستحق واحد منهما شيئا ، ولعل منشأ الخلاف كون التولية شرطا في الاستحقاق أو غير شرط فيه كما في كلام السبكي في شرح المنهاج ، وكونها شرطا فيه هو الذي وقفت عليه في أجوبة العبدوسي في المعيار ، وقوله وأما إن اضطر إلخ الظاهر أن مراده أنه معذور فيما حرم على الأول إبقاؤه لنفسه فهو موافق للقرافي في هذا القسم واختار عج جواز ما يبقيه المستنيب لنفسه وإن استناب اختيارا لغير عذر ، وأخذه من جواب القاضي منصور في نوازل الإحباس من المعيار ، ونحو ما لعج للناصر اللقاني واختاره المسناوي في تأليفه في المسألة حيث تكون الاستنابة على مجرى العادة وموافقة العرف من غير خروج فيها إلى حد الإفراط والزيادة المعتاد في البلد بين الناس من كونها دائما أو غالبا أو كثيرا بغير سبب يعذر به عادة والله أعلم .




الخدمات العلمية