الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( القاعدة الثامنة عشر ) : إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما ، واكتفى فيهما بفعل واحد وهو على ضربين :

( أحدهما ) : أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان [ جميعا ] يشترط أن ينويهما جميعا على المشهور ومن أمثلة ذلك من عليه حدثان أصغر وأكبر فالمذهب أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين [ جميعا ] بها وعنه لا يجزئه عن الأصغر حتى يأتي بالوضوء واختار أبو بكر أنه يجزئه عنهما إذا أتى بخصائص الوضوء من الترتيب والموالاة وإلا فلا ، وجزم به صاحب المبهج ولو كان عادما للماء فتيمم تيمما واحدا ينوي به الحدثين أجزأه عنهما بغير خلاف [ ص: 24 ] ونص عليه أحمد في رواية مهنا .

( ومنها ) القارن إذا نوى الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد على المذهب الصحيح وعنه لا بد من طوافين وسعيين كالمفرد ، والقاضي وأبو الخطاب في خلافيهما حكيا هذه الرواية على وجه آخر ، وهو أنه لا تجزئه العمرة الداخلة في ضمن الحج عن عمرة الإسلام بل عليه أن يأتي بعمرة مفردة بإحرام مفرد لها .

( ومنها ) إذا نذر الحج من عليه حج الفرض ثم حج حجة الإسلام فهل يجزئه عن فرضه ونذره ؟ على روايتين .

( إحداهما ) يجزئه عنهما نص عليه أحمد في رواية أبي طالب ونقله عن ابن عباس وهي اختيار أبي حفص .

( والثانية ) : لا يجزئه ، نقلها ابن منصور وعبد الله وهي المشهورة .

وقد حمل بعض الأصحاب كأبي الحسين في التمام الرواية الأولى على صحة وقوع النذر قبل الفرض وفرضهما فيما إذا نوى النذر أنه يجزئه عنه وتبقى عليه حجة الإسلام ولا يصح ذلك .

( ومنها ) إذا نذر صوم شهر يقدم فيه فلان فقدم في أول رمضان ، هل يجزئه رمضان عن فرضه ونذره على روايتين أشهرهما عند الأصحاب لا يجزئه عنهما والثانية يجزئه عنهما نقلها المروذي وصرح بها الخرقي في كتابه وحملها المتأخرون على أن نذره لم ينعقد لمصادفته رمضان ولا يخفى فساد هذا التأويل وعلى رواية الإجزاء فقال صاحب المغني لا بد أن ينويه عن فرضه ونذره وقال الشيخ مجد الدين لا يحتاج إلى نية النذر ، قال وهو ظاهر كلام الخرقي وأحمد لأنا نقدره كأنه نذر هذا القدر منجزا عند القدوم فجعله كالناذر لصوم رمضان لجهة الفرضية وفيه بعد ، ولو نذر صوم شهر مطلق فصام رمضان ينويه عنهما فإنه يخرج على مسألة الحج ، ذكره ابن الزاغوني وغيره .

( ومنها ) لو نذر الصدقة بنصاب من المال وقت حلول الحول ، فهل تجب فيه الزكاة ؟ على وجهين ، وعلى القول بالوجوب فهل تجزيه الصدقة عن النذر والزكاة إذا نواهما ؟ على وجهين واختيار صاحب المغني الإجزاء وخالفه صاحب شرح الهداية .

( ومنها ) لو طاف عند خروجه من مكة طوافا ينوي به الزيارة والوداع ، فقال الخرقي في شرح المختصر وصاحب المغني في كتاب الصلاة يجزئه عنهما ويتخرج فيه خلاف من المسألة التي بعدها .

( ومنها ) لو أدرك الإمام راكعا فكبر [ تكبيرة ينوي بها ] تكبيرة الإحرام والركوع فهل يجزئه ؟ على وجهين حكاهما أبو الخطاب وغيره واختار [ القاضي ] عدم الإجزاء للتشريك بين الركن وغيره وأخذه من نص أحمد رحمه الله فيمن رفع رأسه من الركوع وعطس فقال [ الحمد لله ] ربنا ولك الحمد ينوي به الواجب وسنة الحمد للعاطس أن لا يجزئه ، واختار ابن شاقلا الإجزاء وشبهه بمن أخرج في الفطرة أكثر من صاع [ ص: 25 ] ولا يصح هذا التشبيه ومن الأصحاب من قال إن قلنا تكبيرة الركوع سنة أجزأته وحصلت السنة بالنية تبعا للواجب ، وإن قلنا واجبة لم يصح التشريك وفيه ضعف .

وهذه المسألة تدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حال القيام خلاف ما يقوله المتأخرون .

( والضرب الثاني ) أن يحصل له أحد العبادتين بنيتها ، وتسقط عنه الأخرى ولذلك أمثلة :

( منها ) إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم ، سقطت عنه التحية .

( ومنها ) لو سمع سجدتين معا ، فهل يسجد سجدتين أم يكتفي بواحدة ؟ المنصوص في رواية البرزاطي أنه يسجد سجدتين ، ويتخرج أنه يكتفي بواحدة ، وقد خرج الأصحاب بالاكتفاء بسجدة الصلاة عن سجدة التلاوة وجها فهنا أولى .

( ومنها ) إذا قدم المعتمر مكة فإنه يبدأ بطواف العمرة ويسقط عنه طواف القدوم ، وقياسه إذا أحرم بالحج من مكة ثم قدم [ يوم ] النحر أنه يجزئه طواف الزيارة عنه والمنصوص هاهنا أنه يطوف قبله للقدوم ، وخالف فيه صاحب المغني وهو الأصح .

( ومنها ) إذا صلى عقيب الطواف مكتوبة فهل يسقط عنه ركعتا الطواف على روايتين ، قال أبو بكر الأقيس أنها لا تسقط ، ونقل أبو طالب عن أحمد رحمه الله يجزئه ليس هما واجبتين ، ونقل الأثرم عنه أرجو أن يجزئه وهذا قد يشعر بأنه يحصل له بذلك الفرض ركعتا الطواف فيكون من الضرب الأول .

لكن لا يعتبر هنا نية ركعتي الطواف .

ويشبه هذه الرواية التي حكاها أبو حفص البرمكي عن أحمد في الجنب إذا اغتسل ينوي الجنابة وحدها أنه يرتفع حدثه الأصغر تبعا وهي اختيار الشيخ تقي الدين .

وقد يقال المقصود أن يقع عقيب الطواف صلاة كما أن المقصود أن يقع قبل الإحرام صلاة فأي صلاة وجدت حصلت المقصود .

( ومنها ) لو أخر طواف الزيارة إلى وقت خروجه فطاف فهل يسقط عنه طواف الوداع أم لا ؟ على روايتين [ ونص في رواية ابن القاسم على سقوطه .

( ومنها ) إذا أدرك الإمام راكعا فكبر للإحرام فهل تسقط عنه تكبيرة الركوع ؟ على روايتين ] أيضا والمنصوص عنه الإجزاء .

وهل يشترط أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح أم لا ؟ على روايتين نقلهما عنه ابن منصور إحداهما لا يشترط بل يكفيه أن يكبر بنية الصلاة وإن لم يستحضر بقلبه أنها تكبيرة الإحرام كما لو أدرك الإمام في القيام .

والثانية : لا بد أن ينوي بها الافتتاح لأنه قد اجتمع ههنا تكبيرتان فوقع الاشتراك فاحتاجت تكبيرة الإحرام إلى نية تميزها بخلاف حال القيام فإنه لم يقع فيه اشتراك .

( ومنها ) إذا اجتمع في يوم عيد وجمعة فأيهما قدم أولا في الفعل سقط به الثاني ولم يجب حضوره مع الإمام .

وفي سقوطه عن الإمام روايتان .

وعلى رواية عدم السقوط فيجب أن يحضر معه من تنعقد به تلك [ ص: 26 ] الصلاة ذكر صاحب التلخيص وغيره فتصير الجمعة ههنا فرض كفاية تسقط بحضور أربعين .

( ومنها ) إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا ؟ .

على روايتين منصوصتين .

وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة وإنما هو الهدي .

( ومنها ) اجتماع الأسباب التي يجب بها الكفارات وتتداخل في الإيمان والحج والصيام والظهار وغيرها .

فإذا أخرج كفارة واحدة عن واحد منها معين أجزأه وسقطت سائر الكفارات وإن كان مبهما .

فإن كانت من جنس واحد أجزأه أيضا وجها واحدا عند صاحب المحرر .

وعند صاحب الترغيب أن فيه وجهين .

وإن كانت من جنسين فوجهان في اعتبار نية التعيين وأما الأحداث الموجبة للطهارة من جنس أو جنسين موجبهما واحد فيتداخل موجبهما بالنية أيضا بغير إشكال وإن نوى أحدهما فالمشهور أنه يرتفع الجميع ويتنزل ذلك على التداخل كما قلنا في الكفارات أو على أن الحكم الواحد يعلل بعلل مستقلة ، وإذا نوى رفع حدث البعض فقد نوى واجبه وهو واحد لا تعدد فيه .

وعن أبي بكر لا يرتفع إلا ما نواه قال في كتاب المقنع إذا أجنبت المرأة ثم حاضت يكون الغسل الواحد لهما جميعا إذا نوتهما به .

ويتنزل هذا على أنه لا يعلل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين بل إذا اجتمعت أسباب موجبة تعددت الأحكام الواجبة بتعدد أسبابها ولم تتداخل وإن كانت جنسا واحدا ورجح صاحب المحرر قول أبي بكر في غسل الجنابة والحيض لأنهما مختلفا الأحكام إذ المنع المرتب على الحيض يزيد على المنع المرتب على الجنابة لأنهما مختلفا الأجناس بخلاف غيرهما فهما كالجنسين وغيرهما كالجنس الواحد .

ومن الأصحاب من قال إن نوت رفع حدث الحيض ارتفعت الجنابة لدخول موانعها فيه ولا عكس .

التالي السابق


الخدمات العلمية