الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم .

[114] ومن أظلم أي: أكفر وأعتى.

ممن منع مساجد الله يعني: بيت المقدس ومحاريبه.

أن يذكر فيها اسمه وسعى عمل.

في خرابها هو بخت نصر وأصحابه، غزوا اليهود، وخربوا بيت المقدس، وأعانهم على ذلك النصارى: طيطوس الرومي وأصحابه، فغزوا بني إسرائيل ثانيا، فقتلوا مقاتلتهم، وسبوا ذراريهم، وحرقوا التوراة، وخربوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف، وذبحوا فيه الخنازير، فكان [ ص: 180 ] خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فأنزل الله تعالى الآية ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها .

أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين أي: على وجه التهيب، وذلك أن بيت المقدس موضع حج النصارى، ومحل زيارتهم، قال ابن عباس : لم يدخلها بعد عمارتها رومي إلا خائفا، لو علم به، قتل.

لهم في الدنيا خزي عذاب وهوان، قال قتادة: هو القتل للحربي، والجزية للذمي.

ولهم في الآخرة عذاب عظيم وهو النار.

وقيل: نزلت في مشركي مكة، وأراد بالمساجد: المسجد الحرام، منعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من حجه والصلاة فيه عام الحديبية، وإذا منعوا من يعمره بذكر الله، فقد سعوا في خرابه أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين يعني: أهل مكة، يقول: أفتحها عليكم حتى تدخلوها، وتكونوا أولى بها منهم، ففتحها عليهم، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي: "ألا لا يحجن بعد العام مشرك"، فهذا خوفهم، وثبت الشرع أن [ ص: 181 ] لا يمكن مشرك من دخول الحرم لهم في الدنيا خزي والذل والهوان والقتل والسبي والنفي.

واختلف الأئمة في دخول الكفار المساجد، فقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز للذمي دخول المسجد الحرام وغيره بالإذن، ومنعه مالك وأحمد مطلقا، والشافعي يمنعه في المسجد الحرام، ويجيزه في غيره، ويأتي ذكر اختلافهم في دخول الذمي حرم مكة، ومنعه من استيطان الحجاز في سورة التوبة عند تفسير قوله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام [الآية: 28].

التالي السابق


الخدمات العلمية