الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

[275] الذين يأكلون الربا أي: يعاملون به، وخص بالأكل; لأنه معظم المقصود، والربا لغة: الزيادة. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف : (الربا) بالإمالة حيث وقع.

لا يقومون من قبورهم.

إلا كما يقوم أي: إلا قياما مثل قيام.

الذي يتخبطه أي: يضربه ويصرعه.

الشيطان والخبط: الضرب على غير استواء.

من المس أي: الجنون. ومعناه: أن آكل الربا يبعث يوم القيامة وهو كمثل المصروع.

ذلك أي: العذاب النازل بهم.

بأنهم قالوا أي: بسبب قولهم:

إنما البيع مثل الربا لأنه كان إذا حل على رجل مال، يقول لغريمه: زدني في الأجل، وأزيدك في الربح، فيفعلان ذلك، ويقولان: سواء علينا الزيادة في أول البيع وعند المحل لأجل التأخير، فكذبهم الله تعالى بقوله:

وأحل الله البيع وحرم الربا هذا تصريح أن القياس يبطله النص; لأنه [ ص: 393 ] جعل الدليل على بطلان قياسهم تحليل الله وتحريمه.

فمن جاءه موعظة أي: بلغه موعظة تذكير وتخويف.

من ربه فانتهى عن أكل الربا.

فله ما سلف أي: مضى من ذنبه قبل النهي معفو عنه.

وأمره إلى الله فيما يأمره وينهاه، وليس له شيء من أمر نفسه.

ومن عاد إلى الربا بعد النهي.

فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون عن جابر قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء"، وقد اتفق الأئمة على تحريم الربا، وجواز البيع; لنص الكتاب والسنة فيهما، والبيع مصدر بعت، يقال: باع يبيع بمعنى: ملك، واشتقاقه من الباع; لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والعطاء، ومعناه لغة: إعطاء شيء، وأخذ شيء، وشرعا: مبادلة المال بالمال لغرض التملك، ويصح بالإيجاب والقبول بالاتفاق، فيقول البائع: بعتك، أو ملكتك، ويقول المشتري: ابتعت، أو قبلت ونحوهما، واختلفوا في المعاطاة مثل أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزا، فيعطيه ما يرضيه، أو يقول البائع: خذ هذا بدرهم، فيأخذه، فقال الشافعي : لا يصح، وقال الثلاثة: يصح; لأنه يدل على الرضا المقصود من الإيجاب والقبول.

التالي السابق


الخدمات العلمية