الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الثالث : كون المنفعة متقومة احترازا من التافه الحقير الذي لا تجوز مقابلته بالمال في نظر الشرع ، قال في الجواهر : واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب ، ومنع ابن القاسم استئجار الدراهم والدنانير لتزيين الحوانيت ، وكل ما لا يعرف خشية السلف بزيادة الأجرة ، وأجاز ذلك القاضي أبو بكر وغيره إذا كان ربها حاضرا معها ، وجوزه الأئمة مطلقا إلا ( ش ) منعه لعدم التقويم ، ومنع الطعام للزينة والتفاحة للشم بخلاف التفاح الكبار ، ومنع الأشجار للتجفيف ، كل ذلك لعدم التقويم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إجارة الثياب والحلي للشيء اليسير أجازها مالك مرة وكرهه أخرى ; لأن أخذ الأجرة على ذلك ليس من مكارم الأخلاق ، والقولان في الكتاب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز كراء المصحف كبيعه ، وعلى كتابته ، وعلى تعليمه كل سنة بكذا ، وعلى الحذاق أو تعليمه كله أو جزئه بكذا ; لأنه متقارب عرفا ، وقاله ( ش ) غير أنه اشترط التحديد بالسور أو بالزمان لتكون المنفعة معلومة ; لقوله - عليه السلام - في الصحيحين : " أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " .

                                                                                                                [ ص: 401 ] ومنح ( ح ) وأحمد أجرة التعليم وكل ما فيه قربة تختص بالمسلم ، كالأذان والصلاة والحج لما في الترمذي قال عثمان بن أبي العاص " آخر ما عهد إلي النبي - عليه السلام - أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " ولأنها قرب يعود نفعها على آخذ الأجرة ، والعوض والمعوض لا يجتمعان لشخص .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن ترك الأخذ أفضل إجماعا ، فالأمر به لا يدل على تحريم الأخذ ، وعن الثاني : أن الأجرة قبالة التزام المواضع المعينة في الأذان ونحوه ، أو قبالة تعيين ما لم يتعين على أخذ الأجرة ، وليست قبالة أصل القربة ، فهذه الأشياء وإن كانت قربا لكن لا يتعين على المسلم فعلها بالأجرة للتعيين ، وجوز الإجارة على الخط ، والحساب ، وبناء المساجد ، وكتابة المصاحف ; لأن فعل هذه لا يتوقف وقوعه على أهلية التقرب ، من الإسلام وغيره ، ومنع ( ش ) الإجارة في الصلاة وكل عبادة تمتنع النيابة فيها ، بخلاف تفرقة الزكاة ، والحج ، وغسل الميت ; لدخول النيابة فيها .

                                                                                                                والأجير نائب ، فحيث جاز النائب جاز الأجير ، قال في الكتاب : وتجوز على الكتابة فقط ، وعليها مع القرآن مشاهرة ، وله اشتراط شيء معلوم مع أجرته كل فطر وأضحى ، قال : وأكره على تعليم الفقه والفرائض كما أكره بيع كتبها ، قال ابن يونس : منع ابن حبيب إجارة المصحف بخلاف بيعه ، وقاله ( ح ) فيه ، وفي الكتاب : لأن القراءة والنظر فيها فعله فلا يعطى على فعل نفسه أجرا ، والثمن في البيع للورق والخط وفي الإجارة لنفس القرآن ، وهو ليس متقوما .

                                                                                                                [ ص: 402 ] قاعدة : الإجارة مبنية على البيع فكل ما جاز بيعه جازت إجارته ، والأعيان على ثلاثة أقسام : ما اتفق على جواز بيعه وقبوله للملك والمالية ، كالدار والعبد ، وما اتفق على منع بيعه وقبوله للمالية إما لعدم اعتباره شرعا كالمحرمات من الميتة وغيرها ، أو لعدم القيمة فيه عرفا كالنظر إلى السماء والتوجه تلقاء الهواء أو التفرج على الرياض وغير ذلك ، وما اختلف فيه هل هو من القسم الأول أو من الثاني ، وهو نحو هذه المسائل ، قال ابن يونس : وقد بيعت المصاحف أيام عثمان - رضي الله عنه - ولم ينكر الصحابة ذلك ، فكان ذلك إجماعا ، قال ابن يونس : وإجازة ابن حبيب الإجارة على تعليم القرآن يبطل منع إجارة المصحف ; لأن المصحف كالمعلم ، واستعمال بدن المعلم كاستعمال المصحف عن صاحبه وثمره وورقه وجلده ، لكن المعلم ينتفع بزيادة حفظه بالتعليم بخلاف المصحف ، ويجوز عند مالك وأصحابه : اشتراط السنة والسنتين ، وليس لأب الصبي إخراجه حتى يتم الشرط إلا أن يدفع إليه جميع الأجرة ، والشرط لازم للمعلم أيضا . فإن قال : كل شهر بكذا ، فلكل واحد منهما الترك ، قال سحنون : ويحمل الناس في الحذاق وغيرها على العوائد ، إلا أن يشترطوا شرطا ، والحذاق على قدر حال الأب ، قال سحنون : وإذا بلغ ثلاثة أرباع القرآن فقد وجبت له الختمة ، وتوقف في الثلثين ; لأن الباقي تبع ، وقياسا على منع السيد من نزع مال المعتق إلى أجل إذا قرب ، ولأبيه إخراجه إذا بلغ الربع ، ولا شيء للمعلم من أجرة الختمة ، وإنما له إذا قاربها لشبهها بالجعالة ، قال ابن حبيب : ويقضى بالحذاق على حفظ القرآن . قال أصبغ : ولا يضر الغلط اليسير بخلاف أن يكون مستمرا في القراءة ولا يحسن الهجاء ، وإذا شرط المعلم أن له في الحذقة كذا فأخرجه الأب فعليه الحذقة بقدر ما مضى منها ، [ ص: 403 ] وإذا لم يبق من الحذقة إلا السور اليسيرة فأخرجه فله الحذقة ; لأن اليسير تبع ، قال : ولا يلزم الأب حق الأعياد لأنها مكارمة في أعياد المسلمين ، مكروهة في أعياد النصارى ، قال ابن يونس : إن كان عرفا كالشرط ، وكره مالك تعليم المشركين الخط ; لأنهم يستعينون به على إلقاء الشبه إذا كبروا ، وكره تعليم المسلم عند الكفار كتابهم ; لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وأجاز غير مالك بيع الفقه والإجارة على تعليمه ; لأنه إشغال للمعلم وأخذ منافعه ، وإنما كره ابن القاسم ; لأن العمل عندهم ليس عليه بخلاف القرآن ، قال اللخمي : إنما تجوز الإجارة على تعليم القرآن إذا عين مدة دون ما يتعلم فيها ، أو ما يتعلم من حذقة وشيء معلوم ، كربع ونصف ، أو الجميع دون تحديد مدة ، والجمع بينهما ممنوع للغرر ، فإن فعل وكان يجهل تعلم ذلك في تلك المدة فسدت الإجارة أو الغالب التعليم فيها فأجيز ، ومنع ، فإن انقضى الأجل ولم يتعلم فيه ذلك الجزء : فله أجرة مثله ما لم تزد على المسمى ، وفي الجلاب : منع الإجارة إلا مدة معلومة ; لأن أفهام الصبيان تختلف ، فقد لا يتعلم الجزء إلا في مدة بعيدة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : تكره إجارة قسام القاضي وحسابهم ، وكان خارجة ومجاهد لا يأخذان أجرا ، قال ابن يونس : قال سحنون : إنما كرهه لأنهم كانت لهم أرزاق من أموال اليتامى ، قال اللخمي : أجرته جائزة من بيت المال إذا نصبوا أنفسهم لذلك ، ويمنع إذا كان من أموال اليتامى ، ويجوز أن يأخذوه ممن يقسمون له من غنائم أو يتامى أو رشداء أو غيرهم ، وهل هي بين الشركاء على قدر الأنصباء أو العدد ؟ قولان ، قال : وأرى في القاسم والكاتب والسمسار أنها على الأنصباء لأنه العادة اليوم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يصلح أن يبني مسجدا أو بيتا فيكريه ممن يصلي فيه ، فإن [ ص: 404 ] نزل قضي له بالثمن ، وأجازه غيره في البيت ; لأن منفعة البيت متقومة . ويجوز كراء داره على أن تتخذ مسجدا عشر سنين ، والنقض بعد ذلك للباني ، وترجع الأرض لربها ، قال صاحب التنبيهات : إن أباح المسجد بعد بنائه صار حبسا لا حق فيه لأحد ، وإن لم يبحه بل فعل ذلك ليكريه ، فليس من مكارم الأخلاق ، وهو معنى منعه كإجازة المصحف ، ولا كراهة في الأرض ; لأن للمكتري أن يفعل ما يشاء ، ولو سلم البيت لمكتريه لكان كالأرض ، وإنما يكره كراؤه لأنه ليس من مكارم الأخلاق ، وعلى هذا يحتمل أن يكون قول الغير وفاقا أو يكونان تكلما على وجهين ، أو يكون الغير تكلم على الفعل بعد الوقوع ، وابن القاسم فيه ابتداء ، قال ابن يونس : قال سحنون : إنما منع في المسجد لأنه حبسه ، والحبس لا يؤاجر ، وإذا أخذ باني نقض المسجد جعلها في غيره ، قال أبو محمد : وقول ابن القاسم أصوب ; لأن هذه ليست كاستحقاق أرض بعد بنائها مسجدا ; لأن البناء خرج هناك لله على التأبيد ، وهنا مدة معينة ، كمن دفع فرسه لمن يغزو عليه غزوة ، فإنه يرجع إليه ، وليس لصاحب الأرض دفع قيمة البناء مقلوعا ; لأنه لا ينتفع ببقائه على صورة المسجد ، وإذا لم ينفع إلا بعد النقض فصاحبه أولى بخلاف الاستحقاق إلا أن يقول : أنا أبقيه مسجدا مؤبدا ، فله أخذه فتجب تبقيته مسجدا ، قال اللخمي : إذا بنى مسجدا فحيز عنه ، أو صلى الناس فيه زال ملكه فيه ، وإن بناه ليكريه جاز وله بيعه ، ولو صلى الناس فيه ، وإن بني ليصلى فيه ولم يحز عنه ولا صلى الناس فيه ، وامتنع من إخراجه من يده لم يجبر ، فإن مات قبل إجباره ، أو كان على العادة حبسا فهل يمضى حبسا أو ميراثا قياسا على الصدقات إذا لم يفرط في خروجها حتى مات ؟ قولان ، وإذا أكرى الأرض لتتخذ مسجدا مدة فانقضت ، فللباني نقض ما لا يصلح للسكنى ، ولا يوافق بناء الديار ، وما يصلح للسكنى ولم يحبسه : كان [ ص: 405 ] لصاحب الدار أخذه بقيمته منقوضا ، واختلف إذا حبسه هل يأخذه بالقيمة ؟ وهو أحسن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : تكره على تعلم الشعر والنحو وكتابتهما ، وإجارة كتبهما كما يكره بيع كتبهما ، وهي أولى بالكراهة من كتب الفقه ، قال ابن يونس : أجازها ابن حبيب في الشعر والنحو وأيام العرب والرسائل ونحوها مما يليق بذوي المروآت ، بخلاف شعر الهجاء والخمر والخنا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                تكره على الحج والإمامة في الفرض والنفل بخلاف الأذان والإقامة والإمامة ; لأنها على الإقامة بالمسجد ولزوم موضع مخصوص ، ومنع ابن حبيب في الأذان والإقامة والإمامة لحديث الترمذي المتقدم ، قال ابن يونس : أجاز ابن عبد الحكم الإجارة على الإمامة لالتزامه موضعا مخصوصا ، وإذا جوزنا في الأذان فأخل ببعض الصلوات هل يسقط حصة ذلك أم لا ؟ قال اللخمي : وأجاز مالك في الكتاب : الإجارة على الإمامة إذا جمعت مع الأذان في عقد هو كالغرر تبعا لا مستقلا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                تكره إجارة الدف والمعازف لأنه ليس من عمل أهل الخير ، وكان يضعفه ، قال صاحب التنبيهات : ضرب الدف في العرس مباح ، لكن ليس كل مباح تصح إجارته ، قال ابن يونس : ينبغي الجواز في الدف المباح ، ومعنى : يضعفه : أي يضعف قول غيره .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية