الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويجوز التوكيل في الخلع حرا كان أو عبدا أو محجورا عليه أو ذميا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : التوكيل في الخلع جائز لقول الله تعالى : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها [ النساء : 35 ] . وقد ذكرنا أن للحكمين أن يخالعا فدل على جواز التوكيل في الخلع .

                                                                                                                                            ولأن عقد الخلع جامع بين الطلاق والبيع ، والتوكيل جائز في كل واحد منهما فجاز فيما جمعهما .

                                                                                                                                            ولأن عقد النكاح أغلظ من رفعه بالخلع والتوكيل في النكاح جائز فأولى أن يجوز في الخلع ، وإذا كان ذلك جائزا جاز أن توكل الزوجة دون الزوج ، وأن يوكل الزوج دون الزوجة ، لأن الزوجة في الخلع بمنزلة المشتري في البيع ، والزوج بمنزلة البائع ويجوز في البيع أن يوكل المشتري دون البائع ويوكل البائع دون المشتري ، فإذا تقرر جواز توكيل كل واحد من الزوجين في الخلع فصفة الوكيلين تختلف ، لأن وكالة الزوجة في معاوضة محضة ، ووكالة الزوج في معاوضة وطلاق والشروط المعتبرة في وكالتهما تنقسم في حق الوكيلين أربعة أقسام : [ ص: 90 ] أحدها : ما يعتبر في حق الوكيلين معا ، وهو البلوغ والعقل ، فلا يجوز أن يكون وكيل كل واحد منهما صغيرا أو مجنونا ، لأنه لا يصح منهما عقد ، ولا يتعلق بقولهما حكم .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما لا يعتبر في حق الوكيلين معا ، وهو الحرية والإسلام ، فيجوز أن يكونا عبدين وكافرين كما يجوز أن يكونا حرين ومسلمين لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يصح توكيلهما في الطلاق والبيع ، فصح فيما جمعهما .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يصح منهما خلع أنفسهما ، فصح فيه توكيلهما لغيرهما .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما يكون اعتباره في وكيل الزوجة أقوى من اعتباره في وكيل الزوج ، وهو الرشد فإنه لا يعتبر في وكيل الزوج ، ويجوز أن يكون محجورا عليه بالسفه ، لأنه لو خالع لنفسه جاز ، فجاز أن يكون وكيلا في خلع غيره ، وهل يعتبر في وكيل الزوجة أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يعتبر في وكيلها ، وإن وكلت سفيها جاز اعتبارا بوكيل الزوج . والوجه الثاني : يعتبر الرشد في وكيل الزوجة ، وإن لم يعتبر في وكيل الزوج كما يعتبر رشد الزوجة في الخلع ، ولا يعتبر رشد الزوج ، فلذلك إن وكلت الزوجة سفيها لم يجز ، وإن وكل الزوج سفيها جاز .

                                                                                                                                            : فإن قيل فوكالة الزوجة مختصة بمعاوضة محضة ثم الرشد فيها على هذا الوجه معتبر فوكالة الزوج المشتركة في طلاق ومعاوضة أولى أن يكون الرشد فيها معتبرا .

                                                                                                                                            قيل : لما تفردت وكالة الزوجة بالمعاوضة تفردت بحكمها والرشد في عقود المعاوضات معتبر فاعتبر في وكالتها ، ولما كانت المعاوضة في وكالة الزوج تبعا للطلاق الذي لا يعتبر فيه الرشد ، وكان التبع داخلا في حكم المتبوع لم يكن الرشد في وكالته معتبرا

                                                                                                                                            . والقسم الرابع : ما يكون اعتباره في وكيل الزوج أقوى من اعتباره في وكيل الزوجة وهو الذكورية لا تعتبر في وكالة الزوجة ، فإن وكلت امرأة جاز ، لأنه لما جاز أن تتولاه بنفسها مع أنوثتها جاز أن توكل فيه من مثلها ، وكما يجوز أن تكون المرأة وكيلا في البيع ، وهل يعتبر ذلك في وكيل الزوج أم لا ؟ على وجهين من اختلاف الوجهين في جواز توكيل المرأة في الطلاق :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز ، لأنها لا تملك الطلاق ، فلم يجز أن تكون وكيلا فيه ، فعلى هذا يعتبر في وكيل الزوج أن يكون رجلا . [ ص: 91 ] والوجه الثاني : يجوز أن يكون وكيلا في الطلاق ، لأنه لو ملكها الزوج طلاق نفسها ملكت ، فجاز أن تكون وكيلا في طلاق غيرها ، فعلى هذا يجوز أن يوكل الزوج امرأة فصارت الشروط المعتبرة في وكيل الزوجة البلوغ والعقل دون الذكورية ، وهل يعتبر فيه الرشد أم لا ؟ على وجهين ، والشروط المعتبرة في وكيل الزوج البلوغ والعقل دون الرشد ، وهل يعتبر فيه الذكورية أم لا ؟ على وجهين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية