الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثاني في الضمان ، وفي الجواهر :

                                                                                                                يد المستأجر يد أمانة على المعروف من المذهب ; لأجل الإذن في المباشرة كالوكيل والمودع ، وقاله الأئمة ، وقيل : ضامن كالقابض في البيع الفاسد ، وأما يد الأجير على سلعة يؤثر فيها كالخياط ونحوه ، فيده يد ( ضمان عمل في بيته أو حانوته ، بأجر أو بغير أجر ، يلقب بصنعته أم لا ، إن انتصب للصنعة ، وإلا فيده يد ) أمانة وقال الأئمة : لا يضمن إلا ما أهلك بفعله من الدق في [ ص: 503 ] القصارة وغيره من حرفاته ; لقوله - عليه السلام - : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه ) ، ولأنه قبض لمنفعة الغير فلا يضمن كالمودع ، والوكيل ، والمساقي ، والمقارض ، والجواب عن الأول : المعارضة بقوله - عليه السلام - : ( على اليد ما أخذت حتى ترده ) وعن الثاني : لا نسلم أنه لم يقبض بحق نفسه ، بل لمستحق الأجرة ، فوجب أن يضمن كالقرض ، سلمنا صحة القياس ، لكن المودع لم يؤثر في العين تأثيرا يوجب التخمة على أخذ بسبب التغيير ، وهو الفرق في الوكيل ، وأما الساقي : فكذلك أيضا ; لأن الله - تعالى - هو منمي الثمار ، وأما المقارض فلو ضمن مع أن المال بصدد الذهاب والخسارة في الأسفار ; لامتنع الناس منه فتتعطل مصلحته ، بخلاف السلع عند الصناع ، فظهر الفرق ، ثم يتأكد ما ذكرناه : أن الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - قضوا بتضمينهم ، وإن لم يتعدوا ، وقد قال - عليه السلام - : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) ولأنه من المصالح ; فوجب أن يكون مشروعا ; ( لنهيه - عليه السلام - عن الاحتكار ، وتلقي الركبان ، وبيع الحاضر للبادي ) قال ، وكذلك لو دعي [ ص: 504 ] إلى بيت رب السلعة ليعمل له فيه ، أو لازمه ربها لنفي التهمة ( لأن يده يد أمانة ) حينئذ ، وعلى هذا يختلف حاله باختلاف أرباب السلع فيضمن لبعض دون بعض ، قال ابن يونس : قال مالك : ويضمنون ولو قل العمل ، كوضع زر في ثوب أو رقعة ، ولو كان ربه حاضرا للفساد ، أو غائبا عنه إذا كان ذلك في حوانيتهم ، وهو خلاف ظاهر كلام الجواهر ، قال : ويضمن الكماد ما يقطعه بحضرتك من غير تفريط ، فإن ساعدته في الكماد ، وكان الخرق منك لم يضمن ، أو منه ضمن ، أو أشكل الأمر فهو منكما ، ويضمن الصناع إلا أن تقوم بينة بالهلاك من غير سببهم ; لأنهم إنما ضمنوا للتهم ، وضمنهم أشهب ، وجعل أيديهم أيدي ضمان كالغاصب ; سدا للذريعة ، فلا تقبل البينة عنده ، فإن شهدت البينة بفراغه قبل الهلاك ضمنه يوم قبضه ، وليس لربه إعطاء الأجرة ، وتضمينه إياه معمولا لأن عمله له فلا يضمنه ، فإن شهدت بفراغه وهلاكه لم يضمن ، ولا أجر له لعدم التسليم للعمل ، وقال محمد : له الأجرة لوضع الصنعة في سلعة ربها ; لأنه بيع منافع . ولو قامت بينة بهلاك المبيع قبل قبضه لم يضمن ، فكذلك هاهنا ، قال اللخمي : الذي لا ينتصب للعمل يصدق في التلف والرد وطريان العيوب ، ويستظهر باليمين ، إلا أن يكون مبرزا في عدالته ، فإن حدث العيب من سبب الصنعة ، ففي تضمينه قولان صوابهما : عدم الضمان ، إلا أن يعلم أنه غر من نفسه أو فرط ، وللمنتصب في دعوى التلف ثلاثة أحوال : إن غاب عليه لم يصدق ، وإن دعوته لعمل عندك صدق ، حضرت عند العمل أو غبت ، وإن عمله في حانوته بحضرتك صدق عند محمد ; لانتفاء التهمة ، وقيل : لا ; لأن يده يد ضمان سدا للذريعة ، [ ص: 505 ] ويختلف في الطحان ، هل يضمن قمحا لأنه المقبوض أو دقيقا لأنه المستأجر عليه ؟ وفي الفران ، هل مثل العجين أو قيمته ؟ والحامل للفرن ضامن وإن لم يكن صانعا ; لأن حامل الطعام يضمن لسرعة الأيدي إليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية