الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 106 ] مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا يعتق في مال غائب حتى يحضر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا مات وقد دبر عبدا قيمته مائة درهم وترك مالا غائبا يخرج المدبر من ثلثه ، لم يخل حال الورثة في المال الغائب من أن يقدروا على التصرف فيه ، أو يعجزوا عنه ، فإن عجزوا عنه كان عتق المدبر موقوفا على قدوم الغائب : لأن عتقه وصية في الثلث ، والوصايا لا تمضى إلا أن يحصل الورثة مثلاها ، وقد يجوز أن يتلف الغائب ولا يصل إلى الورثة . وإذا كان كذلك لم يختلف أصحابنا أن ثلثي المدبر موقوف على قدوم الغائب ، واختلفوا في إمضاء العتق في ثلثه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يعتق ؛ لأنه لو لم يترك سواه لعتق ثلثه ، فإذا ترك معه مالا غائبا فأولى أن يعتق ثلثه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يعتق شيء منه ، فيوقف جميعه ، لئلا ينفذ في العتق ما لم يصل إلى الورثة مثلاه ؛ لأن باقيه موقوف لم يصل الورثة إليه ، ولو لم يكن له مال سواه لتصرف الورثة في باقيه ، فلذلك كان العتق موقوفا كما كان حق الورثة موقوفا ، وبهذا المعنى فرقنا بينه وبين من لم يملك سواه . وكلام الشافعي يحتمل الوجهين :

                                                                                                                                            الأول : منهما قول الأكثرين .

                                                                                                                                            والثاني : اختيار أبي حامد الإسفراييني ، ونحن نفرع على الوجهين معا .

                                                                                                                                            فإذا قيل بالوجه الأول أنه يتعجل عتق ثلثه ملك المدبر به ثلث كسبه ، وكان ثلثاه وثلثا كسبه موقوفا . فإن قدم من الغائب خمسون ، عتق نصفه ؛ لأن الخمسين مع قيمته مائة وخمسون ، وقيمة نصفه ثلثها ، ولو قدم من الغائب مائة عتق ثلثاه ؛ لأن المائة مع قيمته مائتان وثلثاه ثلثها فإن قدمت مائة ثانية ، عتق جميعه لوصول الورثة إلى مثلي قيمته ، وإن تلفت ، ولم تصل استقر العتق في ثلثيه ورق للورثة ثلثه ، فصار لهم مع المائة الواصلة مثلا ما عتق من ثلثيه . وإن قيل بالوجه الثاني : إن عتق جميعه موقوف ، كان جميع كسبه موقوفا فإن قدم من الغائب خمسون ، وكان باقيا مرجوا عتق ربعه ؛ لأن الخمسين مثلا ربعه ، وإن كان باقيه تالفا ، عتق نصفه لأن الخمسين مع رق نصفه مثلا نصفه ولو كان القادم من الغائب مائة ، وكان باقيه مرجوا عتق نصفه ؛ لأن المائة مثلا نصفه . ولو كان باقيه تالفا عتق ثلثاه ؛ لأن المائة مع رق ثلثه مثلا ثلثيه ، فإن قدمت مائة ثانية ، عتق جميعه وإلا فقد استقر العتق في ثلثيه والرق في ثلثه ، وملك ثلثي كسبه ، وللورثة ثلث كسبه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية